اتصالات مصرية حوثية تثير هواجس إسرائيل
كشفت مصادر مصرية مطلعة على ملف العدوان الإسرائيلي على غزة، كواليس ما قالت إنه "تجاذب في العلاقات بين القاهرة وتل أبيب أخيراً". وقال مصدر مصري، لـ"العربي الجديد"، إن "تجدد ما يمكن تسميته بالسجال في ما يخص العلاقات بين مصر وإسرائيل، يعود إلى فحوى اتصالات مصرية حوثية، اطلعت على تفاصيلها حكومة الاحتلال".
وبحسب المصدر، فإن "الاتصالات بين القاهرة وجماعة الحوثيين في اليمن، عبر قنوات أمنية، جاءت في وقت تصاعدت فيه عمليات الجماعة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، إذ دعت مصر قيادة الحركة إلى خفض مستوى العمليات العسكرية، في ظل تراجع حركة مرور السفن بقناة السويس، وظهور حجم الآثار السلبية على عائدات القناة".
ولفت المصدر إلى أن "المسؤولين في القاهرة اقترحوا على الجماعة أن تكون عملياتها متقطعة وغير منتظمة، خصوصاً أن الرسالة التي أراد الحوثيون إيصالها باستهداف السفن ذات الصلة بإسرائيل أو تلك المتوجهة إلى موانئ الأراضي المحتلة، وصلت للعالم أجمع". وكشف أن "الحوثيين رفضوا تلك الدعوة، رغم تثمينهم موقف مصر الرافض للانخراط في تحالفات تستهدف مهاجمة الجماعة".
وأشار المصدر إلى أن "الاتصالات المصرية الحوثية التي كانت إيران طرفاً فيها، تضمنت مطالب مصرية بتكرار الحوثيين تأكيدات بأن تلك العمليات لا تستهدف سوى السفن ذات العلاقة بإسرائيل وإعلان ضمانات لذلك، بشكل يشجع السفن التي لا يشملها التحذير على المرور". وقال المصدر إن "المطالب المصرية للحوثيين، جاءت لتخفيف وطأة التأثيرات السلبية على قناة السويس، لكن في المقابل استقبلتها تل أبيب باستياء شديد، معتبرة إياها توجيهاً بإمعان حصار الموانئ الإسرائيلية، في وقت أعادت فيه حكومة الاحتلال ضخ الغاز الطبيعي إلى مصر بناء على الاتفاق الموقّع بينهما، سواء للاستخدام في السوق المحلية أو للتصدير إلى أوروبا".
وكشف المصدر عن أن مصر "عبّرت عن مخاوفها لإيران التي كانت شريكة في الاتصالات مع الحوثيين، بشأن الضغوط الاقتصادية عليها"، لافتاً إلى أن القاهرة "بعثت برسائل إلى طهران، مفادها أن اتساع العمليات التي يقوم بها الحوثيون، سيزيد من الأزمة الاقتصادية التي تواجهها، وهو ما ينعكس على قدرتها على مقاومة تصورات دولية مرتبطة بالقضية الفلسطينية". وأشار المصدر إلى أن القاهرة "حثّت طهران على لعب دور في منع اتساع التدهور في الأوضاع الأمنية بالإقليم بالشكل الذي يفرض مزيداً من الضغوط الاقتصادية".
وبدا لافتاً في هذا السياق ما قاله، أمس الأحد، وزير الخارجية المصري سامح شكري، في مؤتمر صحافي عقب مباحثات بالقاهرة مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان، من تحميل إسرائيل المسؤولية عن توتر الأوضاع في البحر الأحمر، بسبب الحرب على غزة.
وقال شكري إن مباحثاته مع نظيره السعودي، تناولت التطورات الأخيرة في البحر الأحمر واليمن، وتبعاتها الجسيمة على أمن المنطقة وحرية الملاحة والتجارة العالمية. وشدّد خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره السعودي، على أن حرية الملاحة والتجارة العالميتين هي حقوق ومبادئ دولية ثابتة، على الجميع الالتزام بها. وأكد أن "ما يشهده البحر الأحمر من مخاطر نتاج مباشر للتوتر في المنطقة؛ بسبب الممارسات الإسرائيلية في غزة"، مشدداً على أهمية التعامل مع جذور الأزمات وليس فقط مع أعراضها.
وجدّد وزير الخارجية المصري المطالبة بالوقف الفوري والشامل لإطلاق النار في غزة، داعياً المجتمع الدولي بجميع أطرافه إلى التحلي بقدر من المسؤولية والإرادة في الاضطلاع بمهامه، لتحقيق هذا الهدف، والتعامل مع الأوضاع الإنسانية الفادحة، ووقف الحصار والتجويع والعقاب الجماعي ومحاولات التهجير القسري بحق سكان غزة.
ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، فقد انخفض حجم التجارة عبر قناة السويس بنسبة 42 في المائة في الشهرين الماضيين بسبب هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، الذي تمر به 12 في المائة من حجم التجارة العالمية. وانخفض العدد الأسبوعي لعمليات عبور سفن الحاويات بنسبة 67 في المائة على أساس سنوي.
وعلى صعيد المشاورات الجارية بشأن "اليوم التالي" لوقف العدوان على غزة، والتي تشارك فيها مصر، كشف مصدر ثالث عن أن "المسؤولين في جهاز الاستخبارات العامة المصرية، نجحوا في ترتيب لقاء، جمع مسؤولاً رفيع المستوى في السلطة الفلسطينية، مع قياديين من حركة حماس، في العاصمة المصرية القاهرة، الأسبوع الماضي، جرى خلاله بحث إنهاء الخلافات بين الجانبين، وإمكانية التعاون مستقبلاً في إدارة قطاع غزة، وكذلك فرص إجراء الانتخابات المعطلة في الأراضي الفلسطينية". وأوضح المصدر أن اللقاء "تطرّق أيضاً للحديث عن مستقبل منظمة التحرير، وفرص انضمام حركتي حماس والجهاد إليها، عقب انتهاء الحرب".
يأتي هذا في الوقت الذي اعتبر فيه مصدر مسؤول آخر، لـ"العربي الجديد"، أن "التصعيد الأخير من جانب حكومة الاحتلال، سواء ما جاء عبر دفاعها في محكمة العدل الدولية لدرء الاتهامات الموجهة إليها بإحالة المسؤولية عن منع المساعدات عن قطاع غزة للقاهرة، أو الاتهامات الخاصة بمساعدة حركة حماس على تهريب الأسلحة عبر سيناء، ومن ثم الدعوة إلى عملية عسكرية واضحة في محور فيلادلفيا، بمثابة مناوشات لا يمكن فصلها عن التوجس الإسرائيلي جراء المحادثات بين القاهرة والحوثيين في اليمن خلال الفترة الأخيرة".
وبشأن مسألة إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، قال نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، عمرو هاشم ربيع، لـ"العربي الجديد"، إن "السياسة المصرية تعمل بناء على تفاهمات، وهذا ما يمنع إدخال المساعدات بشكل مباشر إلى قطاع غزة"، مضيفاً أن "كسر القاهرة هذه الحالة وإدخال المساعدات من دون انتظار الجانب الإسرائيلي، سيتم النظر إليه من قبل الاحتلال على أنه استفزاز".
وتابع ربيع: "لكن هناك ضرورة في الحفاظ على الدم الفلسطيني، وذلك من خلال إدخال المساعدات الإنسانية، رغماً عن إسرائيل، من خلال الأنفاق التي أغلقت بأيد مصرية، فيجب أن نعيد فتحها، ليس لإدخال السلاح، ولكن المساعدات الإنسانية اللازمة للسكان في غزة"، مؤكداً أن "إسرائيل لن تستطيع القيام بأي رد فعل على هذه الخطوة".
بدوره، قال السياسي المصري محمد أنور السادات، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "مصر تعلم أن إسرائيل متربصة، وهي لا تريد أن تعرّض أهلنا في رفح أو القوافل الطبية الإنسانية لأي نوع من القصف، ولذلك يجب أن تدخل المساعدات بالتفاهم مع الجانب الإسرائيلي تفادياً لمزيد من الخسائر". وأضاف أن مصر "مستوعبة لكل ما يتردد وتعلم أن عليها دور ومسؤولية كبيرة، لكنها لا تريد المخاطرة أو المغامرة، حتى لا تتعرض حياة مزيد من الأبرياء للخطر".
وتابع السادات: "الشيء نفسه في ما يحدث الآن من تفاهمات ومشاورات بخصوص ممر فيلادلفيا، فمصر رسالتها واضحة أنه من غير المسموح للجانب الإسرائيلي أن يسيطر على هذا الممر أو أن يبقى له وجود عسكري بمعدات ثقيلة، وإنما يمكن بطرق أخرى إذا كان ذلك يطمئن الإسرائيليين بأن لا تهريب للأسلحة، مثل أجهزة مراقبة واستشعار عن بعد".