زج الشباب الحضرمي في أتون معسكرات وتشكيلات خارجة عن القانون.. ماذا بعد التشكيل؟

في منتصف العقد الثاني من الحرب اليمنية، ومع تلاشي قدرة الحكومة المعترف بها دولياً على بسط سيطرتها الفعلية في المحافظات البعيدة أو ذات المساحة الواسعة مثل حضرموت، برزت فجوة أمنية وسياسية سمحت بصياغة مشاريع محلية مسلحة. من بين هذه المشاريع ظهر اسم الشيخ عمرو بن حبريش، الزعيم القبلي الذي يقود ما يعرف بـ حلف بن حبريش او حلف الهضبة ، والذي اتجه تدريجياً نحو تقويض التوازن المحلي عبر إنشاء ما يسمى «قوات حماية حضرموت»، خارج سلطة الدولة الشرعية.
بحسب تقارير محلية متعددة، دخل بن حبريش في صدام مع السلطة المحلية والحكومة حول إيرادات النفط والغاز، وهو ما غذّى خطابًا شعبويًا تحت لافتة «مكافحة الفساد». ومع تضييق المساحات التي كان يتمتع بها من المصالح المشتركة مع الدولة، اتخذ خطوة تصعيدية بتأسيس تشكيل عسكري خاص به، لم يخضع لأي إطار رسمي. الإعلان الأول عن هذه التشكيلات كان بداية عملية تطورت سريعًا حتى صارت تضم أربعة ألوية في قرارات أحادية صدرت خلال 2025.
التشكيل العسكري — من الفكرة إلى البنية
وفق ما يسمى بـ «قرار رقم 5 لسنة 2025»، أعلن بن حبريش عبر حلفه عن تشكيل اللواء الثاني والثالث والرابع، بعد أن كان قد أسس اللواء الأول. كل لواء جرى منحه قيادة وأركان وعمليات كما لو أنه جيش موازٍ. كما أصدر قرارًا آخر بإنشاء «قيادة عامة» تضمنت مراكز عسكرية وأمنية واستخباراتية، في مشهد لا يعبّر إلا عن مشروع عسكري قبلي يعمل بمعزل عن مؤسسات الدولة.
بهذا، لم تعد «قوات حماية حضرموت» كما يسميها مؤسسوها مجرد مبادرة محلية، بل أصبحت تشكيلًا غير شرعي بهيكلية هرمية يدّعي حماية المحافظة، فيما هو عمليًا كيان مسلح خارج القانون.
تأسيس المعسكرات وآلية العمل
منذ البداية، شرع حلف بن حبريش في إنشاء معسكرات عسكرية قرب مواقع النفط والطرق الاستراتيجية. أقيمت دورات استقطاب وتجنيد للشباب، وجرى تخريج دفعات في استعراضات عسكرية بمراسم واحتفالات. هذه الأنشطة الميدانية، الممولة عبر ما يسمى بـ «الإمداد والتموين»، تعكس حجم الموارد الموجهة نحو بناء كيان موازٍ، بينما تعيش حضرموت أزمات خدمية خانقة.
كما تشير تقارير محلية إلى أن هذه التشكيلات مارست ضغوطًا عبر التحكم بخطوط توزيع الوقود، بما فيها وقود الكهرباء، في صورة ابتزاز للسلطة والمجتمع. كثير من المواطنين ربطوا بين انقطاعات متكررة وبين تصعيد أو مطالب من حلف بن حبريش، ما حوّل الخدمات الأساسية إلى ورقة مساومة.
التطورات المعاصرة ومستوى النفوذ
مع نهاية 2025، أصبحت هذه التشكيلات رقمًا صعبًا في معادلة السيطرة الأمنية في حضرموت. فهي تتقاطع مع وجود الجيش الرسمي ووزارة الداخلية وقوات النخبة الحضرمية وقوات درع الوطن والمنطقة العسكرية الأولى. لكن على خلاف تلك القوات، فإن ما يسمى «قوات حماية حضرموت» لم تُدمج في وزارتي الدفاع أو الداخلية، ولم يصدر بشأنها أي اعتراف رسمي، ما يجعلها مليشيا محلية تعكس مشروعًا شخصيًا لبن حبريش أكثر من كونها ذراعًا وطنية.
ورغم رفع شعارات مثل «شراكة حضرموت في القرار» و«حماية الثروات»، فإن كثيرين من السكان يرونها واجهة لتثبيت سلطة أمر واقع بقوة السلاح.
واقع الشباب الحضرمي بين الطموح والبؤس
في ظل البطالة وغياب الخدمات الأساسية، يستغل حلف بن حبريش حاجة الشباب عبر إغراءات مالية ورواتب تُسوَّق كرواتب بالعملة السعودية. منشورات متداولة تتحدث عن «أربعة ملايين ريال سعودي شهرياً» للمنتسبين، وهو رقم يُستخدم كوسيلة دعائية للتجنيد، رغم غياب أي شفافية عن مصدر التمويل. هذا النمط من الاستقطاب يرسّخ فكرة «المقايضة الاقتصادية»: الولاء مقابل الراتب، على حساب مستقبل جيل كامل.
استغلال الحاجات وتغذية الولاءات
المفارقة أن الحلف الذي يرفع شعار «مكافحة الفساد»، يستخدم أدوات ضغط مرتبطة بالخدمات الأساسية كالوقود والكهرباء لتثبيت نفوذه. هذا السلوك يُحوِّل الكيان إلى أداة ابتزاز محلية، ويعمّق شعور الناس بأن الخدمات رهينة لمشروع مسلح غير شرعي.
العائدات ومخاطر النفوذ المتصاعد
إنشاء أربعة ألوية مسلحة بمعسكراتها ورواتبها وتجهيزاتها يتطلب ميزانيات هائلة. وبينما يُتداول حديث عن دعم خارجي، خصوصًا سعودي، لم تُثبت أي وثائق رسمية صحة هذه المزاعم. وفي غياب الشفافية، تظل هذه الموارد إمّا مستقطعة من الإيرادات المحلية أو مستندة إلى تفاهمات قبلية، ما يعزز الشكوك في أن الهدف الحقيقي هو تعزيز نفوذ بن حبريش الشخصي.
أولوية القانون — لماذا تُعد هذه التشكيلات مليشيات؟
وفق القانون اليمني والدولي، أي قوة تُنشأ خارج إطار الدولة وقيادتها المركزية تُعتبر مليشيا غير شرعية. ما يسمى «قوات حماية حضرموت» لم تُدمج في أي جهاز رسمي، ولم تخضع لرقابة البرلمان أو القضاء، كما ارتبطت ممارساتها بقطع الخدمات الأساسية وفرض الولاءات بالقوة.
بالتالي، يصفها كثير من المراقبين بأنها حالة تمرد محلي تُهدد التماسك الوطني، وتضعف فرص بناء مؤسسات الدولة.
يقول أحد الباحثين «إن تحويل مشروع قبلي إلى قوة عسكرية مستقلة — بتركيبة أشبه بدولة داخل الدولة — يُعد تهديدًا مباشرًا للنظام الوطني. الشباب الذين تُستغل حاجاتهم بالرواتب سيتحوّلون إلى أدوات صراع، لا إلى حماة للمحافظة».
ويضيف، إن ما يسمى «قوات حماية حضرموت» ليست سوى مليشيا غير شرعية صنعها حلف بن حبريش، مستفيدًا من فراغ الدولة ومعاناة الناس، لفرض نفوذ شخصي على حساب القانون والخدمات والمجتمع.