تواصل معنا عبر النموذج أدناه:

تقرير | قراءة في مسار إصلاحي متسارع رغم العواصف .. أسبوع الحضور اليمني على خارطة الدبلوماسية

في أسبوعٍ وُصف بالأكثر حيوية في مسار الحكومة اليمنية منذ تشكيلها، تصدّر رئيس مجلس الوزراء الأستاذ سالم صالح بن بريك المشهدين السياسي والتنموي على حدٍّ سواء، متنقلاً بين ملفاتٍ ذات عمق استراتيجي تمسّ جوهر الاقتصاد والدولة.

من الرياض إلى عدن، رسم بن بريك ملامح نهجٍ جديد قوامه التحرك الفاعل والشراكة المتعددة الاتجاهات، عبر توقيع اتفاقياتٍ، واستقبال رسائل، وعقد لقاءاتٍ مع سفراء وقادة يمثلون أهم القوى الإقليمية والدولية.

وفي بيانٍ رسمي نُشر عبر إعلام رئاسة الوزراء، تَوزّعت أبرز محطات الأسبوع على خمسة محاورٍ رئيسة: الشراكة اليمنية السعودية، العلاقات الإماراتية، التعاون التركي، العلاقات الصينية، والدعم الدولي لخطة التعافي الاقتصادي.

عمق الشراكة اليمنية السعودية: من الدعم إلى البناء

شهد بن بريك توقيع اتفاقيتين تنمويتين ومذكرة تفاهم مع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، شملت دعم الموازنة العامة، وتزويد محطات الكهرباء بالمشتقات النفطية، إلى جانب تعزيز قدرات وزارة الداخلية.

وقال بن بريك إن هذه الاتفاقيات “تجسّد عمق الأخوّة ووحدة المصير المشترك بين اليمن والسعودية”، موجّهًا الشكر لقيادة المملكة على دعمها الثابت.
ويرى خبير اقتصادي أن “توسيع الشراكة مع السعودية يمثّل انتقالًا من منطق المساعدات الطارئة إلى التنمية المستدامة، ويمنح الحكومة متنفسًا ماليًا لإعادة تشغيل المرافق الحيوية التي شُلّت بفعل الأزمة”.

ويرى احد المراقبون في الجانب السياسي أن “بن بريك أدرك أن معادلة استعادة الدولة تمرّ عبر البوابة السعودية، لكن ليس كاستتباع، بل كشراكة اقتصادية تُترجم السيادة إلى استقرار.”

الإمارات وتركيا والصين: توازن الانفتاح وتنوّع الحلفاء

من جهةٍ أخرى، تسلّم بن بريك رسالة من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، تضمنت دعوة للمشاركة في القمة العالمية للحكومات 2026.
وخلال لقائه بالسفير الإماراتي محمد الزعابي، ناقش مستجدات التعاون الثنائي، مؤكّدًا حرص الحكومة على تطوير العلاقات الأخوية.

ونشر احد المحللون عبر حسابه الشخصي بالفيس بك إن “هذا التقارب يعيد رسم شبكة المصالح اليمنية في الخليج، ويُظهر رغبة الحكومة في تثبيت الحضور اليمني على منصات الحوار التنموي لا الأمني فقط.”

وفي السياق ذاته، استقبل رئيس الوزراء السفير التركي أمر الله إيشلر، وبحث معه سُبل تطوير التعاون في مجالات الاقتصاد والبنية التحتية، وقد أشاد السفير التركي بجهود الحكومة في الإصلاح الاقتصادي، مؤكدًا دعم أنقرة لمسار السلام والتنمية.

وبالنسبة للعلاقات الصينية، ناقش بن بريك مع القائم بالأعمال الصيني شاو تشنغ تعزيز التعاون في مجالات الطاقة والبنية التحتية، داعيًا الشركات الصينية للاستثمار في القطاعات الواعدة.
ويعلّق خبير في الشؤون الآسيوية بأن “إعادة فتح القنوات مع الصين تمثّل رهانًا على تنويع مصادر التمويل والاستثمار، بعيدًا عن الارتهان لقطبٍ واحد، ما يعيد لليمن موقعها كبوابة تجارية بين الشرق والغرب.”

الدعم الدولي لخطة التعافي: ثقة تتجدد بالحكومة

في ختام الأسبوع، عقد بن بريك اجتماعًا موسّعًا مع سفراء الدول الخمس الداعمة (السعودية، الإمارات، الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، فرنسا)، استعرض خلاله خطة التعافي الاقتصادي والإصلاح المالي والإداري.

وأكّد رئيس الوزراء التزام حكومته بالمضي في تنفيذ الخطة وتحسين الخدمات الأساسية، مشددًا على أن “الإصلاحات ليست خيارًا سياسيًا بل ضرورة وطنية.”
وقد عبّر السفراء عن تقديرهم لما وصفوه بـ”التقدّم المحقّق رغم التحديات”، مؤكدين استمرار دعمهم الكامل للإصلاحات ومساعي الاستقرار الاقتصادي.
ويرى المراقب الاقتصادي عبدالله بن قحطان أن هذا اللقاء “يعيد الثقة بالحكومة اليمنية كممثل شرعي قادر على التفاوض وإدارة الملف الاقتصادي بواقعية”، مشيرًا إلى أن “التحركات الدبلوماسية الأخيرة جعلت من بن بريك صوتًا متزنًا في منطقة مضطربة.”

الإصلاح وسط العاصفة

وسط الأوضاع الأمنية الهشّة، وتحديات الاقتصاد المنهك، يظهر هذا الأسبوع كخريطة طريق جديدة.
فبين الانقطاعات في حضرموت والتجاذبات في عدن والضغط الاقتصادي العام، يواصل بن بريك ما يصفه مراقبون بـ”الإصلاح وسط العاصفة”.

يقول خبير في الشؤون الحكومية إن “التحرك الأخير للحكومة يعكس مرحلة نضج؛ لم تعد فيها الشرعية تكتفي بالتصريحات، بل تمضي بخطواتٍ مدروسة لتثبيت حضورها الداخلي والدولي.”

من بين كل ما دار، يظل المشهد الأبرز أن رئيس الوزراء لا يكتفي بإدارة أزمةٍ متوارثة، بل يضع ملامح نهج جديد عنوانه: لا عودة إلى الوراء، ونهج يراهن على إعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة، وفتح قنوات الاستثمار، وترميم الثقة المفقودة بين المواطن والحكومة… في بلدٍ تتقاذفه الأزمات، لكنه لا يزال يبحث عن صوتٍ عاقل يقوده نحو برّ الأمان.