تقرير | حضرموت تتصدّر فعاليات التوعية خلال «الشهر الوردي»
                            
                            
                            في اكتوبر الماضي، تغير لون شوارع المكلا ومدن ساحل حضرموت إلى الوردي؛ ليس احتفالاً بل وقفةً تستدعي حياة آلاف النساء. شَهِدَت المحافظة حملة توعوية مكثفة بسرطان الثدي شاركت فيها مؤسسات رسمية ومجتمع مدني وجامعات ومراكز طبية، انطلقت من تدشين رسمي بحضور السلطة المحلية وانتهت بأنشطة ميدانية وخدمية وطبية وفنية. ما جمع هذه الجهود هو هدف واحد مُعلَن: نشر ثقافة الفحص المبكّر وإنقاذ أرواح غفلت عن اكتشاف المرض في بداياته.
نبضة التوعية: كيف امتدت الفعاليات في أكتوبر؟
خلال شهر واحد، نفّذت جهات عدة في حضرموت سلسلة فعاليات متكاملة شملت عناصر التوعية والتعليم والفحص والدعم النفسي والاجتماعي، وفيما يلي أبرز ما جرى بحسب حصر الفعاليات المرفق:
1. محاضرات تثقيفية داخل المؤسسات التعليمية — شملت جامعات وكليات وثانويات — وامتدت بعض المحاضرات إلى الأهالي في المناطق النائية لترسيخ أهمية الفحص المبكّر.
2. أركان توعوية في الأماكن الترفيهية والأسواق ومراكز التجمع النسائي، حيث وُزِّعَت مطويات وتم تقديم إرشاد عملي حول الفحص الذاتي.
3. عيادات ثابتة ومتنقلة للكشف المبكّر في مديريات وبلدات نائية، حرصًا على وصول الخدمة لمن لا يستطيعون الوصول إلى المرافق الرئيسية.
4. ندوة علمية تناولت آخر المستجدات والأساليب المعتمدة في الكشف المبكّر والعلاج المبني على أدلة.
5. أيام مفتوحة في الجامعات لرفع وعي الطالبات حول الفحص الذاتي والإحالة المبكّرة.
6. بطولة للكشف المبكر لكرة الطائرة حملت طابعًا مجتمعيًا رياضيًا لتوسيع دائرة المشاركة الشعبية.
7. تكريم الناجيات من السرطان كتجارب نجاح ملهمة تشجّع على المبادرة بالكشف وعدم الخضوع للخوف.
وفي تصريح خاص من المركز الاعلامي لمؤسسة حضرموت لمكافحة السرطان الصحفي محمد باضاوي قال "اعتكفنا فيها كل الشهر معنا فعاليات وتوعية ميدانية وافتراضية على السوشال ميديا وتجاوزنا 100 منشور في الشهر الوردي،كانت توعية يومية لمدة ثلاثين يوم".
هذه الفعاليات جاءت في إطار حملة مؤسسية ومجتمعية مشتركة بدأت بالتدشين الرسمي الذي شهد مشاركة المؤسسة المحلية لمكافحة السرطان والسلطة المحلية.
ما تحقق وما بقي على الهامش
الكمّ والانتشار في الأنشطة أظهر استجابة مجتمعية قوية، لكنّ ثغراتٍ ركّز عليها القائمون على العمل الميداني: غياب برامج متابعة نفسية منظمة على نطاق واسع بعد الفحص، وحاجة أوسع لعيادات متنقلة مهيأة للمتابعة التشخيصية بعد الاشتباه، ونقص في حملات التوعية بالإعلام المرئي الذي يصل إلى الأسر البعيدة. هذه الفجوات لا تُنقص من قيمة ما أنجز، لكنها تُبيّن أن الخطوة التالية يجب أن تكون بنيةً مستدامة تربط التوعية بخدمات علاجية ونفسية دائمة.
المركز الإشعاعي: ملاذ لآلاف المرضى وقلب الحراك الفني والنفسي
احتل المركز الإشعاعي بالمكلا آخر فقرات الحملة كزاوية مميزة. هنا، حيث تتحول ممرات العلاج إلى فضاءات تلاقي وإنسانية، نظم المركز معرضًا فنيًا شارك فيه المجتمع المحلي لتقديم دعمٍ معنوي للمصابين. كانت لوحة المسابقة الفنية تلك «لوحةٌ شدّت الأنظار»، بحسب ما رصد الميدان، وهي مثال حي على أن المساحة العلاجية يمكن أن تتحوّل إلى منصة للتعبير وتخفيف الشعور بالاغتراب لدى المرضى.
تقول سارة الكثيري (مختصة تمريض بالمركز): “مرضى السرطان بحاجة شديدة للدعم النفسي وهو الذي يشكل فرق كبير في التعافي لذلك هذه الفعاليات جسدت قوة التصامن المجتمعي بحضرموت مع شريحة المرضى.”
وتضيف الدكتورة تقوى (منسقة شراكات بالمركز): “المركز حاول أن يجمع اكبر عدد من اللوحات الفنية من اجل تجسيد التضامن المجتمعي وتلاقين عدد ثلاثين لوحة عرضت بالمعرض.” وهي تؤكد جانبًا عمليًا مهمًا حين تذكر أن:
“منذ تاسيسة قبل مايزيدُ عن عام قدم هذا المركز خدمات علاجية مجانية لقرابة سبعمئة مصاب ومجريا جلساته الاشعاعية لاكثر من عشرة الاف مصابا من مختلف المحافظات اليمنية موفرا عنهم مشقات السفر وتكاليف العلاج.”
هذه الأرقام التي ذكرها مسؤولو المركز تضعه في موقعٍ حيوي: ليس فقط كمقدم خدمة طبية، بل كمرجع إنساني يخفف عبء العلاج عن آلاف الأسر.
انعكاسات الحملة محليًا وإقليمياً: ماذا يعني ذلك لحضرموت والمرضى؟
تجربة حضرموت هذا العام تشير إلى أن التوعية المنسقة مع وجود خدمات فعلية — حتى إن كانت محدودة — تُنتج أثرًا ملموسًا: مزيد من النساء خضن الفحص، وتوافدت شريحة على العيادات المتنقلة، وبرزت حالات أحيلت للمراكز المتقدمة. ومع ذلك، يظل التحدّي في ربط هذه الزخم بخطوط تمويل دائمة وبرامج متابعة نفسية وإعادة تأهيل اجتماعي للمصابين بعد العلاج.
بالنسبة للمناطق النائية في وادي وساحل حضرموت، مثّل تدشين العيادات المتنقلة نقطة تحول؛ إذ وفّر الوصول إلى فحصٍ مبدئي لنساء ربما لم يسمعْنَ سابقًا بمبدأ الكشف المبكّر. أما في المدن فكانت الأركان الجامعية والأسواق نقاطًا فعّالة لاستهداف الشرائح الشابة والمتوسطة العمر.
إشادة منقودة بالحذر
المبادرة لاقت ترحيبًا من مختصين صحيّين ومراقبين محليين الذين أكّدوا أن ما تحقق «قابل للعدّ» لكنه يحتاج إلى استدامة. في خلاصة آراء المختصين المرفوعة إلى منصة حضرموت:
• يثمن خبراء الصحة تنظيم الفعاليات وتوزيعها الجغرافي ويعتبرون معرض المركز الإشعاعي نموذجًا لتكامل الجانب النفسي والثقافي مع الخدمات الطبية.
• يحذّر متابعون من اعتبار شهر التوعية كافياً؛ فالتوعية الحقيقية تحتاج برامج مستمرة، تدريبًا للعاملين الصحيين، وربطًا فعليًا بمرافق تشخيصية وعلاجية قادرة على المتابعة.
• يطالب مراقبون ببرامج تمويلية ودعم لوجستي يُمكن الجهات الصحية من توسيع عمل العيادات المتنقلة وتوفير دوامات دعم نفسي للمصابين.
حضرموت هذا العام قدّمت نموذجًا محليًا موفقًا في التعبئة المجتمعية لصالح التوعية بسرطان الثدي — من الجامعات إلى الأسواق وصولًا إلى معرض فني داخل المركز الإشعاعي. الأثر الإيجابي واضح، والنجاحات الميدانية موجودة، لكن الطريق لتحويل أكتوبر إلى رصيد دائم يتطلب استجابة مؤسسية دائمة: تمويل، وحدات فحص وتشخيص ريفية، برامج دعم نفسي واجتماعي، وربط التوعية بعلاج متاح ومستدام وفق مختصون في المجال الطبي .