تواصل معنا عبر النموذج أدناه:

تقرير | ضبط معمل تزوير تواريخ المنتجات في المكلا.. والمواطنون يطالبون بردع جشع السوق

لم تكن حياة المستهلك اليمني في السنوات الأخيرة ميسّرة كما ينبغي، فالتقلبات الاقتصادية وتراجع العملة جعلا أغلب الأسر تميل إلى البحث عن الأرخص، ولو على حساب الجودة. ومع تحسّن قيمة الريال مؤخرًا، عاد الحديث في الشارع التجاري بحضرموت حول ما إذا كانت الأسعار المستقرة تعني سوقًا منضبطة فعلًا، أم أن خلف الرفوف سلعًا تُخفي غشًّا متقنًا يتسلّل بهدوء إلى موائد الناس وحياتهم اليومية.

أصوات الناس قبل الحدث

في الأسواق الشعبية بمدينة المكلا، تتردّد حكايات الناس عن الغلاء والغشّ التجاري كأنها قصص يومية مألوفة، أماني بن عبدات، مواطنة من سكان المدينة، تقول إن على التجار مراعاة الظروف الصعبة التي يعيشها الناس: “وصل الحال بأسرتي إلى الاستغناء عن بعض المشروبات الأساسية مثل الحليب في فطورنا الصباحي بسبب ارتفاع الأسعار.”

أما صالح اليافعي، وهو أحد مرتادي السوق، فوجه رسالة للتجار بضرورة الالتزام بالأمانة وجودة السلع، قائلًا: “نواجه منتجات منتهية ومكدسة في الأسواق، وبعض التجار لم يخفضوا أسعارهم رغم تحسن سعر الصرف. على الجهات الرقابية أن تتحرك بحزم.”

وبينما يتحدث المواطنون عن معاناتهم اليومية مع ضعف الدخل وتردي الجودة، جاءت الضبطية الجديدة لتكشف وجهًا أكثر خطورة… غشٌّ يتجاوز ارتفاع الأسعار إلى تزويرٍ متعمّدٍ في تواريخ الصلاحية.

معملٌ خلف الأبواب… وختمٌ يزوّر تاريخ الانتاج والانتهاء

بتوجيهات من المهندس صالح العمري، المدير العام لمكتب وزارة الأشغال العامة والطرق بساحل حضرموت، باشرت إدارة الإصحاح البيئي بلاغًا ورد من مختصيها في منطقة فوه حول وجود مستودع يُعيد تجديد تواريخ صلاحية منتجات غذائية باستخدام ختم مزوّر.

فريقٌ ميداني بقيادة المهندس مروان العفاري، مدير مكتب الأشغال العامة بمديرية المكلا، ووكيل نيابة التجارة والصناعة القاضي أبوبكر باشطح، نفّذ نزولًا عاجلًا أسفر عن ضبط معمل متكامل لتزوير التواريخ، وتحريز كميات من السلع المنتهية وأخرى أعيد ختمها لتبدو جديدة، بالإضافة إلى ضبط أدوات التزوير والختم المزيّف المستخدم.

وجهت النيابة بإغلاق المستودع رسميًا، وإحالة القضية إلى أمن مركز فوه لاستكمال التحقيق ورفعها إلى نيابة التجارة والصناعة.

رقابة حاضرة… وممارسات دخيلة

أنور الموسطي، مدير إدارة الإصحاح البيئي بمكتب الأشغال العامة ساحل حضرموت، أوضح أن هذا النوع من الضبط يُعدّ الأول من نوعه في ساحل حضرموت، قائلًا: “خلال النصف الأول من الشهر الجاري، تم ضبط نحو 120 مخالفة شملت مطاعم وبوفيهات وصالونات حلاقة وبقالات، لكنّها المرة الأولى التي نضبط فيها معملًا يزوّر تواريخ انتهاء المنتجات، وهي ممارسة دخيلة وخطيرة.”

من جانبه، أكد المهندس مروان العفاري أن مكتب الأشغال العامة يعتمد خطة رقابية ميدانية يومية ومفاجئة، مشيرًا إلى أن المكتب داهم مؤخرًا معملًا لتصنيع الثلج يستخدم قوالب حديدية بدلاً من البلاستيكية، وفرض عليه الإيقاف والتصحيح فورًا حفاظًا على صحة المواطنين، وأضاف العفاري أن هذه الحملات تأتي ضمن منظومة متكاملة تستهدف تعزيز الثقة في الأسواق وحماية المستهلك من أي تلاعب أو إهمال.

بين المواطن والرقابة… معركة واحدة

تشدد الجهات المختصة على أن حماية المستهلك تبدأ من الوعي الفردي وتنتهي بالرقابة المؤسسية، في معركةٍ واحدة ضد الغش التجاري وأي تهديدٍ يمس صحة المواطن، حيث أكد مكتب الأشغال العامة والطرق بساحل حضرموت في بيان له أنه “لن يتهاون في مواجهة أي ممارسات تمس سلامة المواطنين”، مشددًا على استمرار الحملات الميدانية المشتركة لضبط المخالفين ومحاسبتهم وفق النظام والقانون.

يرى مراقبون أن ضبط معملٍ لتزوير تواريخ المنتجات في المكلا يعكس يقظة رقابية غير مسبوقة، ويؤكد أهمية التنسيق بين الجهات التنفيذية والقضائية لضمان الردع السريع. ويشير مختصون إلى أن هذه الواقعة تمثل مؤشرًا على تفشي أساليب جديدة للغش التجاري، ما يستدعي تحديث أدوات الرقابة وتشديد العقوبات على المخالفين.

ويؤكد خبراء الاقتصاد أن تحسن العملة الوطنية يجب أن يواكبه ضبط للسوق وحماية للمستهلك، فاستقرار الأسعار بلا رقابة قد يفتح الباب أمام تلاعبٍ أخطر من الغلاء ذاته.

في النهاية، وبينما يطالب المواطنون بصرامةٍ في الرقابة ومحاسبةٍ علنية للمتورطين، تبقى مسؤولية حماية السوق وصحة الناس مسؤولية جماعية — تبدأ من البائع، وتمر بالمستهلك، وتنتهي بمؤسسات الدولة… حتى لا يتحوّل الختم المزوّر إلى توقيعٍ دائمٍ على غياب الضمير وفق مرافقبين.