تقرير | حضرموت أزمة سكري تتوسع بلا خطط واضحة… ومختصون يحذّرون من كارثة وشيكة
في حضرموت، لم يعد السكري مجرّد رقمٍ في سجلات المستشفيات، بل بات ظاهرةً تتقدّم بسرعة تفوق قدرة المجتمع على مواكبتها. فالمرض الذي كان يُنظر إليه كحالة فردية داخل الأسرة أصبح اليوم عنوانًا لقلقٍ عامّ، وصوتًا حاضرًا في حياة آلاف العائلات.
وفي حين تتسع دائرة المصابين عامًا بعد عام، يضيق هامش الدعم المتاح، لتتشكل فجوة واضحة بين الاحتياج والقدرة، يصفها مختصون بأنها «الخطر الصامت» الذي يلتهم صحة المجتمع دون ضجيج.
وسط هذا المشهد، تتقاطع تحذيرات المنظمات الصحية الدولية مع أصوات الكادر الطبي المحلي، مشيرةً إلى واقعٍ يتطلّب تدخُلًا أوسع لا يكتفي بتوفير الدواء، بل يبدأ من بناء الوعي وينتهي بوضع سياسات تُواجه المرض كملف وطني متكامل.
تزايدُ الأعداد.. ودعمٌ لا يلبي الاحتياج
في مستشفيات المكلا، تتضاعف أعداد المصابين بالسكري بوتيرة لافتة، حتى بات المرض حاضرًا في معظم البيوت، بينما يشير المستشفى الأكبر في المدينة(هيئة مستشفى ابن سيناء ) إلى اقتراب عدد المسجلين من ٤٥٠٠ مريض.
وفي ساحل حضرموت يُصرف شهريًا نحو ٣ آلاف علبة إنسولين من مكتب الصحة ، رقم يقول الأطباء إنه لا يعكس كل الحالات الفعلية في الميدان.
وتُظهر بيانات منظمة الصحة العالمية أن أكثر من مليون ونصف يمني يواجهون هذا المرض المزمن، وتؤكد المنظمة أن سنوات الصراع والنزوح ضاعفت معاناة المصابين وحدّت من قدرتهم على الوصول إلى الرعاية والأدوية. كما أعلنت منظمة يمن آيد مؤخرًا عن شحنة أدوية لدعم مرضى السكري في أربع محافظات يمنية — دون أن تشمل حضرموت — ما يطرح أسئلة حول العدالة في التوزيع وكفاية الدعم.
أصوات الميدان تعكس الفجوة
يقول الدكتور يوسف الضالعي إن مركزه الطبي يستقبل يوميًا ما بين 20 و30 حالة جديدة أو مراجِعة. ويضيف مصدر مسؤول في المنظومة الصحية أن الإمداد الدوائي المتاح «شحيح ولا يتناسب مع الأعداد المتزايدة»، موضحًا أن المريض قد يحتاج أكثر من أمبولة واحدة، «لكننا نضطر لإعطائه واحدة فقط لضعف الإمداد، وقد تتأخر الشحنات في بعض الأشهر».
ويشير المصدر إلى أن العقاقير الفموية التي توفرها الوزارة «محدودة الأنواع» ولا تواكب التحديثات العلاجية الحديثة، إضافة إلى غياب برنامج وطني شامل للأمراض المزمنة، وعدم وجود سياسات واضحة للكشف المبكر أو معالجة مضاعفات المرض كالعناية بقدم السكري أو عمليات الشبكية.
لقاء علمي يعيد طرح الأسئلة
وسط هذا التزايد، دشّنت الرابطة الحضرمية للسكري في المكلا فعاليات اللقاء العلمي السادس تحت شعار «مرض السكري ورفاهية الموظفين»، برعاية وزير الصحة ومحافظ حضرموت، وبمشاركة نخبة من المختصين، وبإشراف المجلس الطبي الأعلى.
الدكتورة نوال بانافع أشارت إلى أن اللقاء يتزامن مع اليوم العالمي للسكري، وإلى جهود الرابطة في النزولات التوعوية وتدريب الكوادر منذ تأسيسها.
اللقاء ناقش أكثر من ٢٤ ورقة علمية، واختتم بإعلان مهم: تدشين أول جهاز لمراقبة السكري المستمر في اليمن (CGM)، بدعم من مؤسسة أبان ميديكال.
توصيات.. تبحث عن طريقها للتنفيذ
خرج اللقاء العلمي بعدد من التوصيات، بينها:
• تعزيز التوعية في أماكن العمل والمدارس.
• تفعيل سياسات أكثر مرونة لموظفي القطاعين العام والخاص.
• دعم الصحة النفسية لمريض السكري والتخفيف من الوصمة.
• تعزيز دور أطباء الأسرة والكشف المبكر.
• دعم البحوث العلمية الميدانية.
• والأهم… السعي لإنشاء مركز حضرموت المتخصص للسكري.
يرى مصدر مسول في مكتب الصحة بالساحل أن تذبذب الإمداد بالأنسولين خلال العامين الماضيين يكشف ثغرات كبيرة في منظومة التوزيع، خصوصًا في المحافظات البعيدة عن مراكز التخزين الرئيسة. ويشير هؤلاء إلى أن الكميات التي تصل – رغم أهميتها – لا تراعي الزيادة المستمرة في أعداد المرضى، ولا تتوافق مع البروتوكولات العلاجية التي تتطلب جرعات أعلى لبعض الحالات. ويؤكد أن تحسين إدارة السلاسل الدوائية أصبح ضرورة ملحة لتقليل حالات الانقطاع المفاجئ التي تؤثر مباشرة على حياة المرضى.
مصدر مسؤل في قطاع الصحة العامة لمنصة حضرموت يروى أن المشكلة لم تعد مرتبطة بالأدوية فقط، بل تمتد إلى ضعف برامج التوعية والتعقب الطبي. واشار إلى أن الكثير من المرضى يصلون إلى مراكز العلاج بعد تدهور حالتهم بسبب غياب المتابعة المنتظمة أو عدم توفر الفحوصات الدورية بأسعار مناسبة. ويؤكد أن ربط مراكز الرعاية بمنظومة رقمية موحّدة قد يسهم في تقليل العبء على المرضى وتحسين إدارة الحالات المزمنة.
تقول الدكتورة فائزة العمودي نائب مدير عام مكتب الصحة بحضرموت أن إنشاء مركز متخصص للسكري في حضرموت – كما طالبت منظمات محلية ودولية – قد يكون نقطة تحول في معالجة المشكلة جذريًا. وتشير إلى أن وجود مركز متخصص سيوحّد جهود العلاج، ويعزز برامج التدريب للأطباء، ويوفر تشخيصًا أدق، ما يخفف الضغط على المستشفيات العامة ويسهّل على المرضى الحصول على خدمات مستدامة. ويؤكد هؤلاء أن هذا المشروع لم يعد خيارًا بل حاجة طبية واجتماعية ملحّة في ظل التزايد اللافت في الإصابات.
ورغم الجهود المحلية والبحثية المبذولة، يبقى التحدي الأكبر هو الفجوة بين الأعداد المتزايدة والدعم المتاح. فمرضٌ يتسع يومًا بعد يوم يحتاج إلى رؤية وطنية واضحة وبرامج وقاية مستدامة، وإلا ستظل مستشفيات حضرموت تواجه موجةً متصاعدة من المرضى بإمكاناتٍ لا تكفي للجميع.