تواصل معنا عبر النموذج أدناه:

زهرة .. عنف مستجد وصراع بين العرف والقانون

  • 21 يوليو، 2024
  • تقارير منوعة
  • منصة حضرموت للصحافة | تقرير: مطلق باكيلي

بعض الامور السيئة قد تبدأ من كلمة تصدر عن اعز الناس اليك، ذلك ان الكلمة يمكن ان تتحول الى قرار يلقيك في احدى درجات الجحيم.

زهرة فتاة ريفية ذات طموح واقبال على الحياة، بدأ التحول في مسار حياتها عندما وافق والدها على زواجها من رجل لا تعرف عنه شيئافكان من الطبيعي لفتاة مثلها ان تحاول الحصول على بعض المعلومات حول من ستتشارك معه تفاصيل الحياة القادمة، الا ان المعلومات التي وصلت اليها لم تكن تبعث على الطمأنينة "بعد موافقة والدي على الشخص الذي تقدم لي، حذرني أحد أصدقائي منه دون ابداء أسباب.".

نقلت زهرة تلك المعلومات الى من تستطيع مشاركتها معه .. والدتها التي ابلغت بدورها والد الفتاة لتتحصل على ذات النتيجة التي تتلقاها فتاة ريفية في مجتمع "محافظ"، الصراخ والضرب والاجبار على القبول الذي لاينبغي الرجوع عنه بعد اعطاء الاب كلمته لطالب الزواج. 

هكذا تسير الامور في بعض الريف اليمني معظم الوقت، بل وفي المدن ايضا بعض الاحيان، حيث يتعين على الابناء ان يستمعوا ويطيعوا وخاصة الفتيات. 

"على الفتاة ان تسمع وتطيع ولا تجادل الكبار.. على الفتاة ان تكون مؤدبة".. تلك هي التعاليم المتوارثة من نظر الثقافة المجتمعية البسيطة،وتلك هي ارضية صناعة الفتاة الضحية، من نظر القواعد العلمية للتربية من منظور النوع الاجتماعي. 

 

بعد قرابة الشهر من زفها كعروس، بدأت ملامح الحقيقة الدفينة في التكشف، وبدأت المواقف تفسر تحذيرات الصديق.

حتى الاشياء السيئة قد تأتي بشكل متدرج تقول حكاية هذه الشابة التي نالها ما ينال الكثير من الفتيات الجميلات اللواتي كثيرا ما يمثلن هدفا لهؤلئك الذين يودون معالجة مساوئهم من خلال الشعور بالانتصار على المنافسين.

بدأ الامر تدريجيا.. تماما كما تنمو حالة الادمان على تعاطي المخدرات، القليل من سعادة الدوبامين الكثير من عنف الاكتئاب. 

تراكمت الامور اكثر فأكثر حتى صار الزوج يعود منتشيا منتصف الليل ليكمل ليلته في تعنيف زوجته." ظل يعنفني بأقسى الكلمات دون ان اجد سببا مقنعا او تقصيرا مني يبرر له ما يقوم به تجاهي".

لاحظ الجيران الذين كانت صرخاته تخترق جدران منازلهم ان الرجل يتصرف بطريقة تشبه اولئك الذين يتعاطون مادة الشبو المخدرة فقد خبر الكثيرون الامر بسبب سعة انتشار تلك المادة شرقي البلد.

بدأت نسوة من الجيران التواصل مع زهرة واخبارها بشكوكهم وحثها على ابلاغ اسرتها بما تعانيه من زوجها بشكل شبه يومي، لكن تربية زهرة الريفية المثقلة بالتعاليم كانت تقتضي تكرار ذات الرد " الخلافات تحدث في كل بيت، شكرا لاهتمامكم لكنني بخير". هكذا توضح الجارة "بثينة" بدايات المنعطف العصيب في حياة زهرة مع "حسن".

ابلغت زهرة اسرتها مرات عدة عن طريق امها لكنها لم تجد اذانا مصغية او اهتماما كافيا سوى تكرار تلك العبارات الجاهزة المتداولة " لابد للزوجة ان تحتمل زوجها والصبر كفيل بحل المشكلات ".

لم يستطع الصبر احتمال ما يحدث ولم يقلل من تسارع الاحداث "تطورت الامور حتى صار يضربني بوحشية ووحدها اثار الضرب على جسدي من اقنعت والدي " تقول زهرة.

وتضيف: "كان الأوان قد فات حين ادرك والدي أن هنالك اشياء ليس بمقدور الصبر معالجتها في الوقت المناسب، لكن ذلك لم يحدث فارقا مؤثرا في موقفه".

كان على زهرة ان تفعل شيئا لانقاذ نفسها وكان على احد ما ان يساعد بما هو اكثر من مجرد السماع.

كانت "ايان" تلك الصديقة التي حذرت زهرة قبيل الزواج دون ابداء الاسباب" لم اقدم الاسباب لاني كنت حائرة بين تحذير صديقتي وبين خوفي عليها من العنوسة كونها تجاوزت منتصف العشرينات من العمرولم اكن اعلم ان الامور ستسوء الى هذا الحد".

تخشى زهرة على حياتها وبيت الزوجية من الشتات وفي ذات الوقت تخشى على نفسها وسلامتها عند كل عودة للزوج منتشياً الى المنزل تقول ايان الصديقة المقربة الوحيدة.

كانت زهرة تصف حياتها بالطبيعية امام الجميع وتنهمر باكية شاكية عذاباتها اليومية امام صديقتها المؤتمنة ايان.

تعلم ايان ان الصديق هو ذلك الشخص الذي يدرك ما ينبغي القيام به حين تحتاجه وكان الدعم النفسي اول شيء تحتاجه صديقة العمر زهرة.

كانت ايان وبسبب متابعتها البرامج الاجتماعية على بعض الفضائيات المحلية تعرفت الى " سمية" الاخصائية النفسية التي تتكرر استضافتها خلال ذلك النوع من البرامج فشجعت زهرة على ضرورة التواصل العاجل بتلك المختصة النفسية التي يظهر من طريقة تناولها المشكلات ان لديها خبرة جيدة في مجال الدعم النفسي للنساء المعنفات.

وجد المقترح استجابة لدى زهرة كونه يحقق الامرين معا: الدعم النفسي والحفاظ على بيت الزوجية من الانهيار.

 

خلال اتصالات هاتفية متتالية تجريها الناجية كلما غاب زوجها عن المنزل، عملت سمية على فهم مشاعر زهرة وقدمت لها عددا من النصائح الجيدة حد وصف الاخيرة الا ان بعض الامور الجيدة قد لا تستمر كذلك.

تقول سمية تلقيت مكالمة هاتفية من زهرة وكان باديا من حديثها انها بلغت حالة من اليأس موضحة" حدثتني عما تعيشه من عنف جسدي ونفسي من قبل زوجها، وكيف ان حياتها أصبحت لا تطاق". 

وتضيف "قدمت لها الدعم النفسي الطارئ لكن حالتها ظلت تتعقد بمرور الوقت اكثر فأكثر فكان لابد لي من اخبارها ان مجرد الدعم النفسي الطارئ عبر الهاتف لم يعد نافعا وانها بحاجة الى جلسات نفسية حضورية تتدرج مابين تمهيدية وتشخيصية وعلاجية".

تَعَرّف الزوج بشخص غريب من خارج المدينة التي تعيش فيها زهرة منذ زواجها، وتكررت مرات اصطحابه الى البيت من قبل زوجها حسن.

وتحرص زهرة في كل مرة على القيام بواجبات الضيافة وفق ما تربت عليه ومخافة عنف زوجها المرعب لأتفه لكنها لم تكن تعلم انها تقدم واجب الضيافة لمن ينمي في بيتها وحشية الزوج.

كان عارف صديق الزوج هو من ياتي بمادة الشبو وانواع اخرى من المخدرات لزوجها الى المنزل وكانت عدوانية الزوج تزداد اكثر في كل مرة حتى بلغت حد سحبها من شعرها على درجات سلم المنزل اكثر من مرة.

"لم يعد ثمة بد مما ليس منه بد" يقول المثل العربي الشهير وحال زهرة التي اقتنعت اخيرا ان هذا البيت لم يعد صالحا للبقاء وان منزل الاب لن يكون اكثر من منعطف الطريق نحو العودة الى ذلك الجحيم.

حزمت زهرة من اشيائها ما يسهل حمله وقررت النجاة بما تبقى منها والفرار الى مدينة بعيدة.

في المدينة الجديدة وجدت زهرة نفسها امام تحديات من نوع جديد .. النظر اليها كمتمردة .. الحاجة الى متطلبات الحياة او بالأحرىالحاجة الى عمل وقبل ذلك كله الحاجة الى الامان والهدوء.

كانت المدينة التي تقطنها سمية هي وجهة الناجية وكانت احالتها الى المركز اول اجراءات المختصة النفسية.

يعمل ذلك المركز على توفير الرعاية والدعم  اللازم للمعنفات ويقدم الخدمات الطبية والمعيشية والمشورة القانونية والتدريب على المهارات الفنية.

كانت اثار العنف واضحة على جسد الناجية فتم توثيقها كأدلة وتم التواصل مع جمعية تعمل في إصلاح ذات البين من اجل حل الخلافات الزوجية وابلاغهم بالحالة.

ادركت الجمعية ان لا جدوى من الاصلاح بين الزوجين فقررت دعم الناجية في الذهاب الى المحكمة والسير في اجراءات الخلع كحل جذري للمشكلة.

 

عملت الجمعية والمركز والمختصة النفسية كفريق في القضية تولى تجهيز ملف قانوني وتوثيق تفاصيل معاناة الناجية، ما ساعد في تسريع إجراءات الخلع توازيا مع السير في برنامج التأهيل النفسي والتدريب  المهني بحسب سمية.

بمساعدة من المختصة النفسية ودعم ورعاية مركز الايواء، قررت زهرة المستفيدة من برامج الدعم منح نفسها فرصة جديدة، فتحصلت على الدعم القانوني اللازم لتسيير اجراءات قضية خلع ضد زوجها المتعاطي لتحصل بعد بضعة اشهر على الحرية والامان وفرصة البدء من جديد على اساس من الخيارات الناضجة.

 

خلال فترة التأهيل والسير في القضية شاركت زهرة في عدد من الانشطة النسائية المناهضة للعنف مع زميلات لها في مركز الرعاية وناشطات مجتمعيات في المدينة بعدما ادركت اهمية ان تحظى بفرصة الحصول على من يستمع ويتخذ موقفا ويتحرك .

 

تفيد الاحصائيات ان نسبة الطلاق في اليمن ارتفعت بمعدل 80%  خلال الفترة 2015-2019 حيث  وصلت سقف 52 ألف و465 حالة مقارنة مع نسبتها فترة بدء الصراع  2015 حيث بلغ المعدل حينها 5 آلاف و 450 حالة طلاق فقط.

وتوضح بعض المصادر أن الطلاق الطبيعي يشغل نسبة 20٪ من نسبة الـ 80% في حين بلغت حالات الطلاق والخلع بطلب من الزوجة نسبة 60% المتبقية.

ساهمت برامج التأهيل  وجلسات الدعم النفسي التي خضعت لها زهرة في استعادة توازنها النفسي حيث عاد السلام النفسي والطمأنينة الى حياتها ما قربها من فرصة ثانية قائمة على اساس الادراك الناضج بمواصفات الشريك المناسب.

خلال مشاركتها في الانشطة المناهضة للعنف القائم على النوع الاجتماعي وجدت زهرة خيارها الانسب في شريك واعي متفهم طيب القلب حد وصفها فارتبطا ببعضهما.

ساهمت الحياة الجديدة في تحفيز امكانات "زهرة الجديدة" لتنتج شخصية رائدة في مجال الدفاع عن قضايا المرأة وحقوقها ومناهضة العنف الموجه ضد النساء.

ثمن الكيف

شهد اليمن منذ نشوب حالة الصراع  تناميا في منسوب الادمان على المخدرات في ظل انفلات امني وانهيار ظاهر للمؤسسات وانسداد الافق امام المواطنين بسبب الحرب.

وفي حين تعتبر محافظة حضرموت الاقل انتشارا للمخدرات بين محافظات يمنية اخرى بفعل يقظة مؤسستها الامنية الاقل تضررا فإنها يمكن ان تكون بمثابة مؤشر جيد للكشف عن حجم نلك السموم العابرة والمقيمة في البلد.

يكشف نائب مدير مكتب مكافحة المخدرات في المحافظة ان اغلب المخدرات تأتي اليها عن طريق الموانئ البحرية نظرا لصعوبة دخولها برا بسبب تواجد نقاط تفتيش دولية.

وتشير احصاءات المكتب للعامين 2022 و2023 الى تمكن الاجهزة الامنية هناك من ضبط انواع مختلفة من المخدرات الداخلة الى اليمن. 

ويمكن لهذه المؤشرات  اعطاء بعض ملامح الصورة حول انواع المخدرات الواصلة الى البلد.

وفي ظل انهيار القطاع الصحي في البلاد تضطر اسر المدمنين الى تحمل تكلفة العلاج الباهظة في الخارج بسبب شحة وجود أطباء محليين متخصصين في علاج الإدمان.

وتشير احصاءات منظمة الصحة العالمية الى وجود 45 طبيباً مختصا فقط في اليمن منهم 36 في صنعاء فيما يتوزع التسعة الباقون على عدد من المحافظات الاخرى، كما لايتوفر سوى مركزان اهليان فقط متخصصان في علاج الإدمان احدهما في تريم حضرموت والأخر في صنعاء ما يرفع فاتورة العلاج بسبب غياب المرافق الحكوميةالمتخصصة وغياب المنافسة.

الحق في الخلع

يعرف المحامي محمد بادباه الخلع بأنه إجراء قانوني يمكن للزوجة من خلاله طلب الانفصال عن زوجها بمقابل مالي تُقدمه للزوج. 

ويختلف الخلع عن الطلاق الذي يمكن أن يتم برغبة الزوج فقط أو باتفاق الطرفين دون مقابل مالي.

ويقر القانون اليمني حسب بادباه ان تعاطي المخدرات مبرر مقبول لطلب الخلع من طرف الزوجة، حماية لاستقرار الأسرة وأمان الزوجة والأطفال. 

وتتمثل الاجراءات القانونية لطلب الخلع بتقديم طلب من قبل الزوجةإلى المحكمة الشرعية، يشمل توضيح الأسباب والمبررات. يليها عقد جلسات استماع للطرفين من قبل المحكمة.

وحتى تتمكن المحكمة من اصدار حكما بالخلع يفيد المحامي بادباه بأن "ينبغي على الزوجة تقديم ادلة واضحة ومؤكدة من مثل تقارير طبية رسمية أو شهادات شهود، تكون كافية لدعم طلبها من نظر المحكمة".

الاجراءات تشتمل ايضا تتنازل الزوجة عن مهرها ومؤخر الصداقمقابل الحصول على الحرية، مع احتفاظها بحق المطالبة بالنفقة حضانة الاطفال بحسب ظروف ومقدرة الزوج المالية.

 

على صعيد العمل الاجتماعي المناهض للعنف ضد النساء تفيد رئيسة "اتحاد النساء بساحل حضرموت" ان 30% من النساء المتزوجات في المتوسط تعرضن لشكل او اكثر من اشكال العنف خلال الاعوام الخمسة الاخيرة. ما تعده المنظمة رقما مثيراَ للقلق في بيئة معروفة بالسلمية والسلم الاجتماعي.

وتعد مشكلات الفقر وتراجع مستوى التعليم ومساحته وتعزيز الثقافة الذكورية في زمن الحرب وتعاطي المخدرات والكحول ابرز مسببات العنف ضد الزوجات بحسب المنظمة.

العنف ضد النساء ليس مشكلة خاصة بالضحايا وحدهم، بل هو مشكلة مجتمعية تتطلب تضافر جهود الجميع، من نظر اتحاد نساء الساحل وهي المنظمة التي تعمل على محاور عدة في سبيل التصدي للعنف ضد النساء في المحافظة.

وتوضح رئيسة المنظمة البرامج والانشطة المخصصة لجهة مناهضةالعنف ضد النساء المتزوجات بأنها "تتنوع بين تنظيم جلسات الدعم النفسي والاجتماعي للناجيات من العنف، وتنظيم حملات توعية في اوساط المجتمع وعقد ورش العمل، ومساعدة الناجيات في الحصول على الدعم القانوني من خلال تقديم الاستشارات القانونية والمساعدة في إجراءات التقاضي (الطلاق أو الخلع) اينما لزم الأمر".

مشيرة الى ان تلك البرامج احدثت اثرا تمثل في القبول الاجتماعي للكشف عن قضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي والتعامل معها بالوسائل الاجتماعية والقانونية الامر الذي كان مستصعبا حتى وقت قريب.

........................

أسماء الناجية والمدعى عليه و الصديقة وصديق المدعى عليه مستعارة بناء على الحق الصحفي في حماية المصادر وعدم التعريض للخطر.

 

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز أصوات النساء من خلال الإعلام الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي.