بشهادة من الداخل.. صفقات فساد ونهب للثروات تلاحق حلف الهضبة وتكشف حجم مشروعه الوهمي

في حضرموت، تكشف التطورات الأخيرة داخل حلف قبائل الهضبة حقيقة مفضوحة يحاول صانعوها الاختباء خلف الشعارات الرنانة، وأوهام الدفاع عن الحقوق والمطالب، لتُفضي إلى واقع من التناقضات والانكشافات الصادمة، حيث تهاوت مسميات الشفافية والمصلحة العامة تحت وطأة الانقسامات الداخلية واعترافات القيادات ذاتها بفساد ممنهج، ونهب وسرقة، لم يعد بالإمكان ستره.
تصدع من الداخل
حلف الهضبة بدأ التصدع من داخله، لا من خصومه ولا من خصوم المشروع الذي يحاولون باسم حقوق حضرموت فرضه بالقوة، بل من أولئك الذين كانوا ذات يوم من أركانه، وصنّاع قراراته، ومهندسي مشاريعه، إذ جاء بيان المهندس عبدالله حسين أحمد بن طالب، رئيس لجنة المحروقات بحلف قبائل حضرموت - الوادي والصحراء، بمثابة مرافعة سياسية كشفت حجم التصدع البنيوي داخل تركيبة حلف بن حبريش، وعرّى حقيقة الخطاب الذي طالما تغنّى بمحاربة الفساد والمطالبة بالتمثيل العادل لحضرموت.
لجان مخيم الهضبة، المعروفة بأنها الذراع الميدانية لحلف قبائل حضرموت، بدأت ومنذُ مدة بالتشظي والانقسام، وخرج الصوت من الداخل، ليرفع الغطاء عن منظومة فساد تمارَس داخل لجنة المحروقات وحلف الهضبة بأكمله، وبدلًا من الاعتراف الكامل، حاول البيان يائسًا إقحام السلطة المحلية في الجريمة، وكأنها هي من أنشأ هذه النقاط أو عيّن قادتها، في لحظة سقوط مدوية لفئة طالما ادعت الطهر الثوري، واتّهمت الآخرين بالفساد، فإذا بها غارقة في مستنقع العبث بالثروات ونهبها وسوء الأمانة.
ضربة فساد موجعة
في ضربة موجعة سابقة لما تبقى من مصداقية حلف الهضبة، أصدر عمرو بن حبريش، رئيس الحلف السابق، قرارًا بوقف ما تُسمى بلجنة الخدمات التابعة له، بعد تورطها في بيع وقود الخدمات في السوق السوداء وتنفيذ صفقات فساد مشبوهة، ليصبح بذلك حلف عمرو بن حبريش، نموذج واضح للسماسرة الذين استفادوا من معاناة الناس، ليس مجرد اسم بل هو وجهٌ صارخٌ للفساد المتغلغل.
انهيار الغطاء وسقوط شرعية الحلف
البيان الذي أصدره بن طالب لم يكتفِ بتوصيف الفساد، بل مضى لأبعد من ذلك، رافضًا بشكل قاطع أي تعيينات في السلطة المحلية بحضرموت لها صلة بمؤتمر حضرموت الجامع، كاشفًا أن بعض أعضاء المؤتمر، ومنهم من كان في اللجنة الأمنية ولجنة المحروقات التابعتين لحلف الهضبة، متورطون في عمليات النهب ذاتها، ويتزامن هذا الحديث في الوقت الذي تتوالى فيه الأنباء عن تمسك بن حبريش بمنصب محافظ حضرموت وتسليمه لأمين عام المؤتمر الجامع أكرم العامري، الذي يشغل كذلك منصب نائب رئيس هيئة التشاور والمصالحة، وهي إحدى الهيئات التابعة لمجلس القيادة الرئاسي.
مواقف مكشوفة
موقف بن طالب الكثيري المعلن لا يُستهان به، فبيانه استرجع ذكريات العام 2017م، وموقفه الرافض لمخرجات مؤتمر حضرموت الجامع آنذاك، وما كان واضحا بالأمس انعكس بوضوح أكثر اليوم، بيان الكثيري، وما بين الفساد والتهم، كشف عن أسباب تواجده بجانب عمرو بن حبريش في تصعيده الأخير، بل أكد أن الاستجابة لدعوته في أغسطس 2024 كانت مشروطة برفض البند الرابع من بيان الحلف، والذي ينص على تمثيل المؤتمر الجامع لحضرموت، وهو اتفاق سبق الحشد ليوم 12 أبريل لحلف بن حبريش، وينص بوضوح على إعادة هيكلة المؤتمر الجامع وترشيح أمين عام جديد.
الوضع الراهن اليوم يعكس انهيارًا تدريجيًا لتماسك حلف بن حبريش، ولم يكن ليحدث لولا غياب المشروع الوطني الجامع، وتغليب المصالح الشخصية والولاءات الضيقة على الأولوية الحضرمية.
ادعاء الشفافية
لقد خرجت الأزمة من نطاق الاختلاف الإداري إلى دائرة التناقض الوجودي، حيث لم يعد ممكنًا التوفيق بين شعار النزاهة والممارسة الفعلية لنهب المحروقات، ولا بين ادعاء الشفافية والعمل خلف الخيم المغلقة، وتوظيف التصعيد للحصول مكتسبات شخصية وحزبية يسعى حلف الهضبة للحصول عليها، ومع دخول الأزمة مرحلة العلن، فإن أي محاولة لترقيع الفجوة أو إقناع الشارع الحضرمي بأن حلف عمرو بن حبريش ما زال قادرًا على تمثيلهم، ستكون نوعًا من الاستخفاف بالعقول والالتفاف على الحقيقة.
حين تسقط الأقنعة
ما حدث في لجنة المحروقات، هو انعكاس لمشكلة أعمق، وهي مشروع بلا قواعد، بلا ميثاق، بلا رقابة، مشروع لم يملك شرعية التمثيل، ولا امتياز المبادرة، ولا حتى القدرة على تبرير نفسه أمام أنصاره، فإذا كان أحد مؤسسيه يقول إن الحلف خان أبناء حضرموت بالصمت والسكوت، فبأي وجه سيخرج هذا الحلف غدًا ليتحدث باسم حضرموت؟
حضرموت أبقى من الفاسدين
ما بين التصريحات المتداولة والانكشافات المتلاحقة، صار واضحًا أن حلف قبائل الهضبة كان كما أراد من صنعوه خلف الخيام، ولم يكن يوما كما يريد الشعب الحضرمي، فحضرموت بعد كل ما دار ويدور فيها تحتاج إلى تطهير سياسي، تحتاج إلى نهوض جديد لا يقوده من تورط في صفقات الديزل، ولا من صمت على سرقتها، ولا من زوّر تمثيلها، ولا من ظن أن ولاء الناس يُشترى.