تواصل معنا عبر النموذج أدناه:

وادي دوعن  يغلي بين انقطاع الخدمات وتدهور البيئة والإدارة

في قلب حضرموت، يتربع وادي دوعن، الملقب بـ"وادي العسل" لشهرته العالمية بإنتاجه الفريد. لكن تحت هذه التسمية الشعرية، تغلي معاناة يومية لسكانه، محاصرين بين غياب الخدمات الأساسية، وتدهور بيئي يهدد مصادره الاقتصادية، وإدارة يصفها السكان بالفاشلة.

ظلام دامس واتصال منقطع

تشهد مناطق يمين الوادي، خاصة، أزمة كهرباء خانقة. مصادر محلية تؤكد لـ"منصة حضرموت" أن التيار لا يتجاوز أربع ساعات متفرقة يومياً، ضعيفاً لدرجة تعطل الأجهزة الكهربائية في المنازل.

يربط الأهالي أسباب الانقطاع المتكرر للكهرباء بنقص تمويل مادّة الديزل المخصّصة لمحطات التوليد، فيما أكّد مصدر خاص لمنصة حضرموت أن حلف القبائل الذي يقوده عمرو بن حبريش في هضبة حضرموت ألزم أبناء دوعن بجمع تواقيع تأييد لمسار حلفه وواعدًا بالسماح بقواطر دوعن بالمرور .

بالتوازي، تعاني مناطق واسعة في يمين الوادي من انعدام شبه كامل لشبكات الاتصال. كشف مواطنون لـ"منصة حضرموت" أن شركات اتصال جهزت أبراج تقوية لكنها معطلة منذ ثلاث سنوات بسبب نزاعات على ملكية الأراضي. "الفشل في إيجاد حل بديل، ولو مؤقت، لإنعاش الاتصال في عصرنا هذا، أمر لا يطاق"، يقول أحد السكان.

فضيحة مسرحية وردود فعل متذبذبة

تصاعد الغضب الشعبي مؤخراً بعد عرض مسرحي لفرقة "البندر" انتقد أداء مدير عام مديرية دوعن، "بانخر"، ووصفه بالفشل في إدارة الوادي، مشيرين إلى سجل إداري مثقل بالمشاكل في مناصب سابقة. الفيديو المنتشر على وسائل التواصل أثار غضب المدير العام الذي قدم شكوى قضائية ضد الفرقة، ليتناقض مع تصريح لاحق لصحفيين حضارمة عبر نفس المنصات عن تراجع "بانخر" عن القضية. هذا التذبذب في القرار زاد من سخط السكان على الإدارة المحلية التي يرونها غير قادرة على حل مشاكلهم الجوهرية.

تراث بيئي واقتصادي على حافة الهاوية

يواجه الوادي، بعد كارثة السيول المدمرة عام 2008 التي جرفت آلاف أشجار النخيل والسدر، تداعيات بيئية مستمرة. أدى تراجع أعداد أشجار السدر، التي يتغذى عليها النحل المنتج للعسل الدوعني الشهير، إلى ضعف إنتاج التمور والعسل معاً. ويواجه إنتاج التمر تحدياً آخر هو انتشار حشرة  تقضي على تلقيح النخيل في مواسم ماضية لم تلقى حلول.

أما العسل الدوعني، رمز الوادي العالمي، فيتراجع بريقه. أحد النحالين كشف لـ"منصة حضرموت" أن قيمته في السوقين المحلي والخارجي تهاوت بسبب غياب الرقابة. "غياب مختبرات فحص إلزامية لضبط الجودة ومنع الغش هو السبب الرئيسي"، مؤكداً أن هذه المشكلة تهدد سمعة المنتج الذي بنيت على مدى أجيال.

وادي العسل.. بين الإهمال والاستفزاز

يعبر أهالي دوعن، المعروفون برقي تعاملهم وأخلاقهم العالية، عن استيائهم العميق من حالة الإهمال المستمرة والاستفزازات التي يتعرضون لها، رغم صبرهم الطويل. التساؤل الأكبر الذي يطرحه السكان والمتابعون: أين دور تجار دوعن الناجحين في الداخل والخارج مما يحدث لواديهم؟ وهل سيبقى "وادي العسل" أسير التهميش والإدارة العاجزة والتهديدات لتراثه الطبيعي والاقتصادي، أم ستجد أصوات أبنائه آذاناً صاغية قبل فوات الأوان؟

يبدو أن صبر "وادي العسل" يقترب من النفاد، بينما تبقى حلول مشاكله المتفاقمة غائبة، ومستقبله معلقاً بين ركام الإهمال ووعود لم تتحقق كما يقول مراقبون