قرار تاريخي في عدن: مصفاة حضرموت تفتح أبواب التنمية وتهز خريطة التوازنات

في جلسة وُصفت بالمفصلية، أقرّ مجلس الوزراء اليمني، خلال اجتماعه الدوري بالعاصمة المؤقتة عدن برئاسة رئيس الحكومة سالم بن بريك، اتفاقية تصميم وإنشاء وتمويل وتشغيل مصفاة لتكرير النفط الخام، إلى جانب صهاريج خزن ومنطقة حرة بمحافظة حضرموت. خطوةٌ وُصفت بالتاريخية، أعادت رسم ملامح المشهد الاقتصادي والسياسي في اليمن، وأثارت تساؤلات حول الأطراف التي قد ترى في المشروع تهديداً لمصالحها التقليدية.
محافظة حضرموت، التي لطالما شكّلت عمق اليمن الاستراتيجي وثقله الاقتصادي، تعود اليوم لتتصدر الواجهة من بوابة النفط والتنمية. فعلى الرغم من أن باطنها يختزن أهم الحقول النفطية، ظلت لعقود مجرد نقطة عبور للثروة لا مركزاً لصناعتها. القرار الجديد يُعيد الاعتبار للمحافظة، ويمنحها ما حُرمت منه طويلاً: منشأة تكرير مستقلة، ومنطقة حرة قادرة على اجتذاب الاستثمارات، وتوفير آلاف الفرص الوظيفية لأبنائها، وتوسيع هامش الاعتماد الذاتي في الطاقة والصناعة.
التحول الذي تُمثله مصفاة حضرموت لا يُقاس فقط ببعده الاقتصادي، بل بما يحمله من إعادة توزيع للثقل داخل الخريطة الوطنية. فهو ينقل مركز القرار النفطي من كواليس المصالح الضيقة إلى مشروع وطني في أرض تنشد العدالة التنموية. لكن، وعلى الرغم من هذا التحرك الرسمي، تشهد حضرموت تكراراً مأساوياً لأزمة الوقود، في مفارقة تكشف عن حجم التحديات الكامنة.
فمنذ اكثر من عام ، يعاني السكان من تقطع مستمر في إمدادات الديزل والمازوت، الأمر الذي أدى إلى توقف محطات الكهرباء، وتعطل الخدمات، وشلّ الحياة في العديد من المديريات. كل ذلك يُعزى إلى ما يُعرف بـ”حلف الهضبة”، الذي يفرض حصاراً غير معلن على تموين ساحل حضرموت، متذرعاً بحجج تتعلق بحماية الموارد أو مراجعة آليات التوزيع. غير أن الوقائع والمؤتمرات الصحفية الأخيرة للجنة المجتمعية كشفت زيف تلك الذرائع، وأكدت أن ما يجري هو استخدام سياسي مفضوح للوقود كسلاح لفرض إرادات فئوية.
يقول الصحفي عبدالله فهمي قرار الحكومة بإنشاء المصفاة لا يبدو فقط خطوة تنموية، بل رسالة سياسية كذلك. فالدولة، برغم ما تواجهه من ضغوط، ما زالت قادرة على إطلاق مشاريع استراتيجية في عمق حضرموت. وهو ما يعني أن التوازنات بدأت بالفعل بالتحرك، وأن الكلمة الأخيرة قد تكون للتنمية لا للابتزاز، وللشعب لا للنفوذ.