مطالبات الحكم الذاتي في حضرموت.. صراع المصالح أم سعي للتمكين؟

تشهد محافظة حضرموت، الواقعة في جنوب شرق اليمن، حراكًا سياسيًا متزايدًا تزامنًا مع تصاعد المطالبات بالحكم الذاتي، والتي يقودها بشكل رئيسي الشيخ عمرو بن حبريش، ففي خضم المشهد الوطني المعقد، الذي يتسم بالنزاعات والصراعات على النفوذ، تبرز هذه المطالبات كعنصر محوري يستدعي تحليلاً معمقًا لدوافعه الحقيقية وتداعياته المحتملة على مستقبل حضرموت واليمن ككل، وبينما يرفع بن حبريش شعار تمكين أبناء حضرموت من إدارة شؤونهم بأنفسهم، يرى العديد من المتابعين أن هذه الدعوات ليست سوى غطاء لتحقيق مصالح شخصية وقبلية تضررت من الإصلاحات الأخيرة التي نفذتها السلطة المحلية.
خلفيات المطالبة بالحكم الذاتي في حضرموت
تُقدم مطالبات الحكم الذاتي في حضرموت على أنها مطلب شعبي يهدف إلى تمكين أبناء المحافظة من السيطرة على مواردهم وإدارة شؤونهم السياسية والاقتصادية والأمنية بمعزل عن التدخلات المركزية، يرى مؤيدو هذا الطرح أن الحكم الذاتي سيمكن حضرموت من تحقيق التنمية المستدامة واستغلال ثرواتها الهائلة، لاسيما النفطية، لصالح أبنائها.
تحولات السلطة المحلية وتأثيرها على النفوذ التقليدي
شهدت حضرموت في الفترة الأخيرة إصلاحات إدارية وخدمية قادتها السلطة المحلية بقيادة المحافظ مبخوت مبارك بن ماضي، والتي كان لها أثر ملموس في تعزيز الشفافية وتنمية البنية التحتية وتحقيق قدر من التنمية الاقتصادية، إلا أن هذه الإصلاحات، بحسب التحليلات النقدية، أدت إلى تراجع نفوذ بعض الشخصيات والكيانات التي كانت تستفيد من الوضع السابق القائم على المحسوبية والفساد، وينظر إلى عمرو بن حبريش، كأحد أبرز المتضررين من هذه التحولات، حيث فقد جزءًا من مصالحه ومكاسبه الشخصية والقبلية.
ويزعم أن مطالبات بن حبريش بالحكم الذاتي لا يمكن فصلها عن سياق هذه التغيرات، بل إنها تُمثل استراتيجية واضحة لإعادة تشكيل موازين القوى بما يخدم مصالحه، فالتحرك نحو الحكم الذاتي، في هذا السياق، لا يعكس بالضرورة سعيًا حقيقيًا لمصلحة حضرموت، بقدر ما هو محاولة لإلغاء الإصلاحات القائمة واستعادة النفوذ المفقود.
تفكيك دوافع بن حبريش وأجندته الخفية
يعد الشيخ عمرو بن حبريش شخصية محورية في المشهد الحضرمي، ويتمتع بنفوذ واسع بحكم قيادته السابقة لحلف قبائل حضرموت، وظهر بن حبريش كمدافع عن حقوق حضرموت ومطالباتها بتقرير المصير، ومع ذلك تشير تقارير استقصائية إلى أن هذه المطالبات، في صورتها الحالية، قد تكون مرتبطة بشكل وثيق بأجندته الشخصية وطموحاته السياسية، ففي ظل الإصلاحات التي قامت بها السلطة المحلية، والتي تهدف إلى تعزيز الشفافية والتنمية، يبدو أن بن حبريش يسعى إلى استغلال خطاب "الحكم الذاتي" لتبرير تحركاته التي قد تقود إلى تقويض هذه الإصلاحات.
تأثير الصراعات الإقليمية على أجندة الحكم الذاتي
لا يمكن فهم مطالب الحكم الذاتي في حضرموت بمعزل عن الصراعات الإقليمية الدائرة في المنطقة، خاصة التنافس بين القوى الإقليمية على النفوذ، ينظر إلى دعم السعودية لمطالب الحكم الذاتي، في مقابل محاولات الإمارات توسيع نفوذها عبر المجلس الانتقالي الجنوبي، على أنه عامل أساسي يؤثر في ديناميكية الأحداث في حضرموت، وفي هذا السياق، يبدو أن بن حبريش يستغل هذا التنافس لتحقيق مكاسب خاصة، مستخدمًا الحكم الذاتي كورقة ضغط سياسية.
ويعتقد أن دعم بعض القوى الإقليمية لأجندة بن حبريش يهدف إلى إضعاف القرارات المركزية في اليمن، أو السيطرة على الموارد الغنية للمحافظة، بدلاً من أن يكون دعمًا حقيقيًا لمصلحة حضرموت، هذا التداخل بين المصالح الشخصية والقبلية والأجندات الإقليمية يجعل من الضروري التعامل بحذر مع الخطاب الذي يرفعه بن حبريش، وفهم الأهداف الكامنة وراءه.
كيف أثرت الإصلاحات على أصحاب النفوذ التقليديين؟
لطالما كانت حضرموت مركزًا للثروة والنفوذ في اليمن، ومع بدء السلطة المحلية في تنفيذ إصلاحات هيكلية تهدف إلى مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية، بدأت تظهر تداعيات هذه الإصلاحات على القوى التقليدية التي كانت تستفيد من الوضع السابق، وهذه الإصلاحات، وإن كانت تهدف إلى تحسين حياة المواطنين وتنمية المحافظة، إلا أنها أغضبت العديد من النافذين الذين رأوا في هذه التحركات تقليصًا لمصالحهم.
ووفقًا للتحليلات، يعد عمرو بن حبريش أحد أبرز هؤلاء المتضررين، ففي ظل الإصلاحات التي عززت من دور السلطة المحلية وقلصت من نفوذ اللاعبين غير الرسميين، يبدو أن بن حبريش قد فقد جزءًا كبيرًا من نفوذه ومكاسبه. هذا ما يفسر، بحسب مراقبين، تصعيده للمطالبة بالحكم الذاتي، والذي يراه البعض وسيلة لإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الإصلاحات، حيث كانت المصالح الشخصية والقبلية تتقاسم النفوذ على حساب المصلحة العامة.
هل هو سعي للتمكين أم أداة لتغيير السلطة؟
تطرح فكرة الحكم الذاتي في حضرموت على أنها الحل الأمثل لتجاوز المشكلات الراهنة في المحافظة، إلا أن التحليل النقدي يرى أن هذه المطالبات قد لا تكون سوى وسيلة لتحقيق أجندات خفية، فبينما يمكن أن يكون الحكم الذاتي خطوة إيجابية نحو تمكين المجتمعات المحلية، فإن سياق مطالبات بن حبريش يثير الشكوك حول نواياها الحقيقية.
هل يمكن تحقيق الاستقلال الحقيقي بعيدًا عن صراعات النفوذ؟
بينما يطرح الحكم الذاتي كحل جذري لمشاكل حضرموت، إلا أن تحقيق استقلال حقيقي ومستدام يتطلب تجاوز تحديات كبيرة، أبرزها صراعات النفوذ الداخلية والخارجية، فما لم تكن المطالبات نابعة من إرادة شعبية خالصة ومجردة من المصالح الشخصية، فإنها قد تتحول إلى أداة لترسيخ نفوذ قوى معينة على حساب الأغلبية.
وتظهر التقارير أن الغليان السياسي في حضرموت يرتبط بشكل وثيق بمشكلات نقص الخدمات الأساسية وانعدام التوافق في الإدارة المحلية، فإذا لم يتمكن أي شكل من أشكال الحكم من معالجة هذه المشكلات الجوهرية، فإن المطالبات بالحكم الذاتي قد تظل مجرد شعارات سياسية لا تعود بالنفع على المواطن العادي.