14 يومًا من العاصفة الهادئة.. محافظ حضرموت يمشي على حبل التحديات بين التحشيد الإلكتروني وأزمة الكهرباء

بينما كانت منصات التواصل الاجتماعي تغلي بحملات تحشيد مناوئة، قادمة من ما يُعرف بـ "حلف الهضبة"، كان محافظ حضرموت الأستاذ مبخوت مبارك بن ماضي يخوض معركةً مختلفة على أرض الواقع: معركة إبقاء المحافظة واقفة على قدميها.
منذ عودته قبل أسبوعين، وجد المحافظ نفسه في قلب عاصفة متعددة الجبهات: أزمة كهرباء خانقة يغذيها قطع للإمدادات، وتمرد إلكتروني ممنهج، وتحديات خدمية معتادة، بالإضافة إلى تداعيات منخفض جوي استثنائي. هذا التقرير يرصد أبرز محطات هذه الفترة الحافلة.
الجبهة الأولى: حرب التيار الكهربائي والوقود
كانت أزمة الكهرباء هي التحدي الأكثر إلحاحًا الذي استقبل به المحافظ عودته. انقطاعات متكررة طالت معظم مدن وقرى الساحل، مع تصاعد غضب شعبي. المصدر؟ أزمة وقود متعمدة، وفقًا لتقارير محلية.
لم يكن رد فعل المحافظ تقليديًا. بدلاً من الخوض في سجال علني، فتح الباب على مصراعيه للشفافية. رحب بأي لجان إشرافية حكومية أو مجتمعية، لمراقبة ملف وقود محطات الكهرباء. وكانت الذروة عندما استمع شخصيًا لتقرير "اللجنة المجتمعية"في المكلا، المكونة من أكاديميين ومهندسين متطوعين، والتي أشرفت على عملية مراقبة توزيع الوقود لمدة 24 ساعة متواصلة. ووافق على توصياتهم التي طالبت بنشر كشوفات حسابات بشكل علني وبيع فائض الوقود لتغطية التكاليف.
هذه الخطوة قُدمت كرسالة واضحة: السلطة المحلية لا تخفي شيئًا، والمشكلة مفروضة من خارج إرادتها.
الجبهة الثانية: المعركة الاقتصادية وتثبيت الاستقرار
في موازاة أزمة الكهرباء، شن المحافظ معركة موازية على الجبهة الاقتصادية. أصدر توجيهات صارمة بتنفيذ قرار مجلس الوزراء بحظر استخدام العملات الأجنبية في المعاملات اليومية، في خطوة جريئة تهدف إلى تعزيز قيمة الريال اليمني الذي شهد تحسنًا ملحوظًا.
وكثف من الحملات الميدانية لمراقبة الأسواق وضبط المتلاعبين بالأسعار، مؤكدًا أن "التلاعب بقوت المواطنين أمر مرفوض تمامًا". وشكلت هذه الإجراءات ردًا عمليًا على تحسن العملة، في محاولة لتحويل هذا التحسن إلى ارتياح حقيقي يشعر به المواطن في السوق.
الجبهة الثالثة: توحيد الصف الداخلي واجتثاث الفتنة
لم يُهمل المحافظ البعد السياسي للأزمة. خلال ترؤسه لاجتماعًا موسعًا للقيادات الأمنية والعسكرية، ألقى كلمةً تاريخيةً حد وصف مواطنين وواضحةً موجهةً للرأي العام. كانت الرسالة مركزة: "حضرموت ملك لأبنائها جميعًا"، ودعا إلى "عدم الانجرار وراء دعوات الفوضى".
لم يكتف بالخطاب، بل التقى مرجعيات قبلبية كبرى، مثل مرجعية قبائل حضرموت وقبائل سيبان، وشخصيات وطنية كالشيخ عبدالله صالح الكثيري، مؤكدًا على أن "معركة حضرموت ليست من أجل منصب أو جاه، بل لتكون لجميع أبنائها". هذه الجولات هدفت إلى امتصاص الغضب وبناء تحالفات مجتمعية صلبة لمواجهة حملات التقسيم.
الجبهة الرابعة: إدارة الأزمة الطبيعية ببراجماتية
كما لو أن التحديات السابقة لم تكن كافية، ضرب منخفض جوي استثنائي مديريات الوادي والصحراء، متسببًا في سيول جارفة وأضرار في البنية التحتية. غادر المحافظ مقره في المكلا إلى قلب الحدث في سيئون وتريم والقطن وشبام.
تفقد الأضرار بنفسه، ووضع حجر الأساس لمشروع مركز طبي لمرضى الكلى في القطن، واطلع على مستوى إنجاز مشروع سوق العسل المركزي، وأصدر قرارًا فوريًا بتشكيل لجنة عليا لحصر جميع الأضرار في الممتلكات العامة والخاصة، مع التركيز على الدقة والمصداقية في رفع التقارير.
سردية واحدة في مواجهة سرديات متعددة
طوال الأسبوعين، حافظت تواصل المحافظ على سردية واحدة واضحة:
1. الشفافية الكاملة في ملفي الكهرباء والوقود.
2. رفض الفوضى وكل ما يهدد الوحدة الاجتماعية والأمن الذي تحقق بصعوبة.
3. التركيز على الخدمات والتنمية كمخرج وحيد من الأزمة.
4. الانحياز للاقتصاد الوطني عبر دعم العملة المحلية وضبط الأسعار.
في المقابل، حاول "حلف الهضبة" عبر منصاته نشر سردية مضادة تقوم على "عجز السلطة" و"الفساد" و"تغليب مصالح فئة على أخرى"، مستفيدًا من انقطاع الكهرباء كوقود أساسي لغضب المواطن البسيط.
معركة وجود أم أزمة حكم؟
الأيام الأربعة عشر الماضية كشفت أن المعركة في حضرموت تجاوزت حدود الخدمة والإدارة لتصبح معركة على الرواية والسيطرة على المشاعر المجتمعية. بين خطاب التحريض الإلكتروني الذي يغذي اليأس، وخطاب السلطة المحلية الذي يحاول التمسك ببوادر الأمل الاقتصادي واستقرار الأمن، يقف المواطن الحضرمي حائرًا، ينتظر أن تترجم كل هذه الخطابات والاجتماعات إلى كهرباء مستمرة في بيته، وأسعار مستقرة في السوق.
المحافظ بن ماضي، من خلال هذا النشاط المكثف، يحاول إثبات أن السلطة لا تزال قادرة على الفعل، وأنها تختار معركتها على أرض الواقع، لا على شاشات الهواتف. لكن نجاحه في هذه المعركة لن يقيمه الخطاب أو عدد المشاريع التي يضع حجر أساسها، بل قدرته على إعادة التيار الكهربائي إلى منازل الناس، وإقناعهم بأن الاستقرار خيار أفضل من المجهول الذي تبيعه حملات التحشيد.