تواصل معنا عبر النموذج أدناه:

من الظلام إلى قاعات المحاكم.. حضرموت تتحرك قضائيًا ضد متقطعي الوقود

في صيف حضرموت القاسي هذا العام، تتواصل معاناة المواطنين مع انقطاعات كهربائية غير مسبوقة تصل إلى ست ساعات انقطاع مقابل ساعتين تشغيل، بعد أن تحوّلت أزمة الوقود إلى ورقة ضغط سياسي. فعقب قيام مسلحين تابعين لما يعرف بـ”حلف قبائل الهضبة” بقطع الإمدادات المخصصة لمحطات كهرباء الساحل، غرقت مديريات المكلا وضواحيها في ظلام طويل دفع الأهالي إلى البحث عن حلول طارئة وسط حرارة خانقة، فيما غابت المعالجات الحكومية السريعة.

أمام هذا الواقع، برزت مبادرة مجتمعية غير مسبوقة تمثّلت في تشكيل لجنة أهلية لمتابعة ملف محروقات الكهرباء، حصلت على تفويض رسمي من السلطة المحلية والشيخ عمرو بن حبريش للتدخل، في مسعى لاحتواء الأزمة وضمان تدفق الوقود. اللجنة، التي ضمّت شخصيات قبلية واجتماعية وأكاديمية، تحركت ميدانياً وقدمت تقارير استندت إلى مختصين محايدين أثبتت – بحسب ما جاء في تصريحاتها – أن احتياجات المؤسسة اليومية تبلغ 705 ألف لتر مازوت و495 ألف لتر ديزل، إلا أن هذه التوصيات قوبلت بالرفض من الشيخ بن حبريش، ما فاقم الأزمة وأشعل غضب الشارع.

وفي هذا السياق عقدت اللجنة المجتمعية صباح اليوم بمدينة المكلا لقاءً عاماً لاستعراض مخرجات أعمالها بحضور حشد من المواطنين وممثلي وسائل الإعلام. وخلال اللقاء، أعلن رئيس اللجنة سالم بن الشيخ أبوبكر أن الوقود تحوّل إلى أداة ابتزاز سياسي على حساب المواطنين، محذراً من “مؤامرة خطيرة تحاك ضد حضرموت يقف خلفها بعض أبنائها”، على حد وصفه. من جانبه أوضح نائب رئيس اللجنة حسين العكبري أن تقارير اللجنة جاءت متطابقة بنسبة 90% مع تقديرات مؤسسة الكهرباء، لكنها لم تلق تجاوباً من قيادة الحلف، مشدداً على أن الكهرباء “قضية خدمية عامة وليست سياسية”.

وفي خطوة تعكس تصعيداً قانونياً غير مسبوق، أعلن المجتمعون إجماعهم على رفع دعوى قضائية ضد كل من يثبت تورطه في أعمال التقطع أو التلاعب بالمحروقات، معتبرين أن اللجوء إلى القضاء هو السبيل الوحيد لحماية المصلحة العامة ووضع حد لمعاناة المواطنين، إلى جانب مطالبتهم الحكومة المركزية بسرعة التدخل وتوفير كميات احتياطية للطوارئ وتشديد الرقابة على عملية النقل.

ويرى مراقبون أن ما جرى اليوم في المكلا يمثل تحوّلاً في المشهد الحضرمي، إذ انتقلت المواجهة من بيانات التنديد إلى فعل قانوني يضع المسؤولين عن تعطيل الوقود أمام القضاء والرأي العام، ويؤسس لمرحلة جديدة من الوعي المجتمعي الرافض لتسييس الخدمات الأساسية وتحويلها إلى أوراق ضغط على حساب حياة الناس اليومية.

وفي ختام اللقاء، استعرضت اللجنة المجتمعية مذكرتها التي رفعتها إلى الشيخ عمرو بن حبريش، متضمنةً شهادات على وقوع وفيات بسبب انقطاع الكهرباء، إضافة إلى خسائر جسيمة لحقت بأصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة نتيجة توقف التبريد وتعطل المعدات، ما انعكس مباشرة على معيشة آلاف الأسر. غير أن هذه التقارير، بحسب اللجنة، قوبلت باستهتار من الشيخ بن حبريش الذي وصف ما يجري بأنه “جزء من التضحيات في سبيل محاربة الفساد”، وهي العبارة التي اعتبرتها اللجنة ذريعة لتبرير استمرار تقطعات الوقود وإرباك المشهد الأمني والعسكري في حضرموت.

وفي موازاة ذلك، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا سيما فيسبوك، منشورات لصحفيين وناشطين حضرميين تتهم الشيخ عمرو بن حبريش باللجوء إلى خطاب “محاربة الفساد” بعد أن أوقفت السلطة المحلية – بقرار من المحافظ – إيرادات غير قانونية كان يحصل عليها أبرزها ضريبة القات. هذه المنشورات، التي لاقت تفاعلاً واسعاً، تعكس اتجاهاً متنامياً في الرأي العام المحلي يرى أن ملف الكهرباء أصبح رهينة تصفية حسابات سياسية واقتصادية أكثر من كونه صراعاً حول الإصلاح أو مكافحة الفساد.