تواصل معنا عبر النموذج أدناه:

انقطاعات تصل 6 ساعات مقابل ساعتين تشغيل.. صيف حضرموت الساخن تحت قبضة الوقود المقطوع

في شوارع المكلا وأحيائها، لم يعد الظلام عابرًا ولا الانطفاء حدثًا طارئًا، بل أصبح واقعًا يوميًا يعيشه السكان منذ أشهر طويلة. ساعات تشغيل الكهرباء لا تتجاوز اثنتين، تليها انقطاعات تمتد لست ساعات متواصلة، في صيف هو الأشد حرارة منذ سنوات. أزمة الوقود المقطوع عن محطات التوليد جعلت الكهرباء في حضرموت رهينة تجاذبات سياسية، بينما يدفع المواطنون ثمنها في حياتهم اليومية وصحتهم واقتصادهم.

الأكثر تضررًا من هذه الأزمة هم المرضى والفئات الأشد ضعفًا. ففي مدينة المكلا لا يوجد سوى مستشفى حكومي واحد يقدم خدمات العناية المركزة هو مستشفى ابن سيناء، الذي يعاني من اكتظاظ متواصل على أسِرّة العناية وأجهزة التنفس. أما حديثو الولادة فلا يجدون سوى مستشفى باشراحيل الوحيد المخصص للمواليد، الذي يواجه بدوره ضغطًا غير مسبوق بسبب انقطاع الكهرباء المتكرر. كثير من المرضى، خصوصًا أصحاب الحالات المزمنة والطارئة، لم يجدوا أمامهم إلا التوجه إلى المستشفيات الخاصة ذات التكاليف الباهظة. ورغم تحسن في سعر العملة المحلية مؤخرًا، إلا أن كلفة العلاج ما تزال مرهقة في ظل محاولة الجهات المختصة ضبط أسعار الدواء والخدمات الطبية. يكفي أن نعرف أن رسوم إجراء أشعة الرنين المغناطيسي بلغ 90 ألف ريال يمني (ما يعادل نحو 200 ريال سعودي) في المستشفى الخاص في ظل غياب بدائل حكومية، وهو رقم يعجز عنه كثير من المواطنين.

ولا يقتصر تأثير الانقطاعات على القطاع الصحي فقط، بل يمتد إلى الأعمال والمشاريع الصغيرة التي تشكل عصب الاقتصاد المحلي. في سوق الورشة بديس المكلا – أكبر تجمع للصناعات المعدنية والخشبية بالساحل – يشكو الحرفيون من توقف أعمالهم وتراجع دخلهم. المواطن حسن منصور، الذي يعمل في صناعة شبابيك المنافذ، يقول: “أعمالنا تحتاج كهرباء حكومية مستمرة، والحلول البديلة مثل المولدات الخاصة أو الطاقة الشمسية تكلف مبالغ كبيرة لا يمكن تحميلها للزبائن”. هذه الشهادة تلخص مأساة مئات الورش التي تعطلت عجلاتها بفعل انقطاع الكهرباء وغياب الوقود، وهو ما انعكس على العمال والأسر التي تعتمد على هذا النشاط كمصدر دخل أساسي.

في ظل هذا المشهد، تتقاطع أزمة الكهرباء في حضرموت مع الأزمة اليمنية الأوسع. فبرغم التحسن النسبي في مؤشرات العملة ومحاولات ضبط السوق الدوائي والخدمي، يبقى المواطن العادي هو الحلقة الأضعف بين تعقيدات السياسة وارتفاع كلفة المعيشة. فالخدمات الأساسية باتت تُدار بعقلية الأزمة، والأعباء اليومية تتضاعف على الأسر التي تبحث عن بدائل للبقاء على قيد الحياة في صيف ساخن بلا كهرباء.

ويرى مراقبون محليون أن استمرار هذه الأزمة دون حلول جذرية ينذر بموجة هجرة عكسية للأيدي العاملة من حضرموت إلى مناطق أقل كلفة، وانكماش كبير في القطاعين الصحي والصناعي المحلي. ويؤكدون أن التعامل مع ملف الكهرباء كأداة ضغط سياسي لن يفضي إلا إلى مزيد من المعاناة وفقدان الثقة بين المواطن والجهات المعنية.

يرى خبراء في الشأن الصحي أن الانقطاع الطويل للكهرباء أصبح أزمة حياة أو موت للمرضى في حضرموت، خصوصًا في غرف العناية المركزة وحضانات الأطفال الخدج. الدكتور سعيد باوزير، استشاري طب الطوارئ، يوضح أن “أجهزة التنفس الصناعي وأجهزة المراقبة الحيوية في مستشفى ابن سيناء تتأثر بشكل مباشر بانقطاع التيار الكهربائي، وأي تأخير في تشغيل المولدات الاحتياطية قد يتسبب في مضاعفات خطيرة، وهو ما يضع المستشفى أمام تحديات تشغيلية ضخمة”. كما يؤكد أن المستشفيات الخاصة التي لجأ إليها المواطنون تواجه أيضًا صعوبات في توفير الوقود لتشغيل مولداتها الخاصة، ما ينعكس في ارتفاع تكاليف العلاج على المرضى.

من جانبه يشير احد الخبراء في الشأن الاقتصادي  إلى أن “الأزمة الحالية ليست مجرد مشكلة كهرباء، بل أزمة إنتاج وحياة اقتصادية متكاملة”. ويضيف أن توقف الورش والمصانع الصغيرة بسبب انقطاع الكهرباء يقلص حجم الاقتصاد المحلي ويؤدي إلى بطالة متزايدة، فضلًا عن تراجع القوة الشرائية للمواطنين. ويرى أن “أي معالجة سطحية لهذه الأزمة دون ضمان إمدادات مستقرة للوقود وتوليد الكهرباء ستُبقي حضرموت في دائرة الانكماش الاقتصادي، وهو ما يحتاج إلى تدخل عاجل من السلطات المحلية والمركزية على حد سواء”.

وسط هذا المشهد المأزوم، تتصاعد الأصوات المطالبة بفصل الملف الخدمي عن الحسابات السياسية، والعمل على خطط بديلة أكثر استدامة مثل التوسع في مشاريع الطاقة الشمسية على مستوى المستشفيات والورش الإنتاجية في حالة استمرار تقطعات الوقود وعدم التدخل الحكومث . ويؤكد مختصون أن هذه الخطوة ليست رفاهية بل ضرورة ملحّة لضمان بقاء الخدمات الأساسية، وأن الدعم الدولي يمكن أن يساهم في تمويل هذه المشاريع العاجلة إلى أن تستقر الأوضاع العامة في البلاد.