أهداف خفيـة أم ضغط احتجاجي؟ قراءة في دور التمر القبلي والتبعات على أمن الطاقة في حضرموت

شهد ملف المشتقات المخصّصة لتشغيل محطات الكهرباء في حضرموت في الأشهر الماضية توتّراً متصاعداً، انعكس على ساعات الانقطاع ورفد المعاناة لدى المواطنين في أجواء صيفية حارّة، وعلى نحو متناقض، تمتلك المحافظة اليوم بنية إنتاجية قادرة من محطات غازية للكهرباء ووحدات تكرير ديزل ومؤخرًا انشاء وحدة انتاج مادة المازوت تابعة لشركة بترومسيلة لتغطية احتياجات كهرباء حضرموت، وتقليل الاعتماد الخارجي، ورغم ذلك سجلت حلقات من التضييق على سلاسل الإمداد أفضت إلى استيراد من مأرب وتجاوزات في طرق التوريد.
إلى جانب المطالب العلنية التي يتبناها المتمردين القبليين بأسم حلف قبائل حضرموت (محاربة الفساد، استعادة الحقوق المحلية، إلخ)، تظهر لدى المحللين والفاعلين المحليين مجموعة من الدوافع التي يمكن قراءتها كأهداف استراتيجية أو جانبية لدى عناصر التصعيد ولعل أبرزها إثبات فشل السلطة المحلية وإحداث فراغ سياسي، عبر الضغط على شبكات الخدمات الأساسية (كالكهرباء) للاسهام في إضعاف ثقة الجمهور في قدرة السلطة على إدارة الملف، ما يسهّل لاحقاً فرض تغييرات إدارية، ونشاهد جزءاً من الخطاب القبلي يسعى إلى استثمار غضب الشارع لترسيخ نطاق نفوذ سياسي أوسع.
- الاستهداف الاقتصادي لشركة بترومسيلة ومحاولة إضعافها
تعطيل السلاسل أو منع خروج الكميات المصفاة من وحدات التكرير يعرض شركة بترومسيلة لشل عملياتها أو خسائر تشغيلية، وقد يؤدي ذلك إلى انهيار أو بيع أصول، وهو ما يخدم جهات ترغب في إعادة توزيع النفوذ الاقتصادي أو تنفيذ “أجندات خارجية” حسب أطروحات محلية.
- ابتزاز موارد السلطة عبر إجبارها على الاستيراد
إجبار المحافظة على الاستيراد من مأرب أو أسواق خارجية يفتح نافذة ربح للتجار والوسطاء ويستنزف موارد الخزينة المحلية، كما يتيح فرصاً للتسيب والعمولات التي تحيل جزءا من الفوائد إلى جهات ضاغطة.
- أثر التضييق على المواطن والخطر الاجتماعي
الهدف الظاهر للمتمردين هو مكافحة الفساد في توزيع الوقود، لكن الأثر الحقيقي كان زيادة معاناة المواطنين من انقطاعات الكهرباء لفترات أطول، خصوصاً خلال فصل الصيف الحار، ما يعكس أهدافاً مخفية تتجاوز مجرد مكافحة الفساد، ربما تتعلق بالسيطرة والنفوذ على موارد المحافظة، إذ إن شركة بترومسيلة وشراكتها مع السلطة المحلية أطلقت مشاريع لإنتاج المازوت محلياً بكمية قد تفوق حاجة المحطات الرئيسية، ما يحقق الاستقرار في حركة الكهرباء، ويقلص حاجة المحافظة للاستيراد، إلا أن المتمردين يمارسون تضييقاً مستمراً على هذه السلاسل.
بالرغم من هذه الجهود، ستمر التمر القبلي برئاسة بن حبريش في تعطيل سلاسل الإمداد، ويدّعون مكافحة الفساد كذريعة، مما يضع السكان في وضع صعب مع تفاقم انقطاعات الكهرباء في أجواء حارة، يفاقمها الاستيراد المكلف والاعتماد على جهات خارج حضرموت، وهذا يعكس أهدافاً سياسية تتعلق بالاحتفاظ بالهيمنة على الموارد والتحكم في المرافق الحيوية.
التمرد القبلي بزعامة الشيخ عمرو بن حبريش، يمارس ضغطًا مستمرًا على سلاسل إمداد مشتقات الكهرباء، ويرى مراقبون أن وراء هذه المطالب أهدافًا أعمق تتعلق بالسيطرة على الموارد الاقتصادية للمحافظة، واستغلال موقعها الاستراتيجي، وفرض أجندة سياسية معينة. يُنظر إلى قطع إمدادات الوقود على أنه تكتيك للضغط على الحكومة المركزية، وزيادة معاناة المواطنين، وبالتالي خلق حالة من السخط الشعبي قد تخدم أهدافًا سياسية لاحقة.
بعد استعراض التطورات الأخيرة في محافظة حضرموت، يعزى هذا الإجراء رسميًا إلى مكافحة الفساد، لكنه أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، مما يعكس صراعات نفوذ أعمق، وفقًا للمعلومات المتاحة، فإن محافظة حضرموت قد حققت تقدمًا نحو الاكتفاء الذاتي في إنتاج مشتقات الكهرباء من خلال مصفاة الديزل في شركة بترومسيلة، والمحطات الغازية في وادي وصحراء حضرموت، وأخيرًا مصفاة الموزوت الجديدة، ومع ذلك، يستمر التضييق على سلاسل الإمداد، مما يجبر السلطات المحلية على استيراد المشتقات النفطية من محافظة مأرب، رغم هذه الإنجازات.
- التناقض مع الاكتفاء الذاتي
رغم التقدم في إنتاج الديزل والموزوت محليًا عبر شركة بترومسيلة، يؤدي التضييق إلى إجبار السلطات على الاستعانة بمأرب، وهو ما يعطل الجهود الوطنية للاستقلال الاقتصادي، وهذا الوضع يُظهر كيف تحول الصراعات إلى أداة للضغط، حيث أصبحت الأزمة الكهربائية دليلاً على تعمد التمرد القبلي، وكما تشير الدعوات الحكومية لوحدة حضرموت، ويبدو أن الإجراءات القبلية، وإن كانت تعلن عن مكافحة الفساد، تخدم في الواقع صراعات نفوذ تؤثر سلبًا على الاستقرار، مع الحاجة الملحة للحلول الوطنية لضمان استمرارية الخدمات.