تواصل معنا عبر النموذج أدناه:

ذكرى سبتمبر تعود .. جدل الهوية والذاكرة ما بين الاحتفاء والتشكيك

اختلطت أجواء الذكرى السنوية لثورة 26 سبتمبر بين احتفالات رسمية وشعبية في عدد من المحافظات اليمنية، وبين رفض واستياء في أوساط جنوبيّة ترى أن الاحتفال لا يعبر عن همومها التاريخية، وبين عمليات قمع في مناطق تحت سيطرة الحوثيين في الشمال.

 

ما هي ثورة 26 سبتمبر وماذا تمثّل تاريخيًا؟

 

ثورة 26 سبتمبر 1962 هي انقلاب عسكري في شمال اليمن أطاح بالنظام الإمامي وأسفرت عن إقامة الجمهورية العربية اليمنية؛ تُعتبر الذكرى مناسبة وطنية لدى كثيرين في الشمال والوسط ترى فيها رمزًا لنهاية حكم الإمام وبداية نظام جمهوري، وهذه الخلفية التاريخية مستخدمة لتبرير الاحتفالات الرسمية والشعبية في مناطق عدة.

 

2) لماذا ينقسم الناس اليوم حول الاحتفال؟ 

 

هناك عدة خلفيات أساسية أبرزت هذا التناقض الغريب في هذه الثورة بالتحديد، ولعل متصدرها الخلاف السياسي، إذ يرى فريق أن الاحتفال بذكرى 26 سبتمبر هو حق تاريخي ووطنِيّ يحييه الشمال والجنوب معًا كجزء من ذاكرة وطنية مشتركة، وفي المقابل يرى آخرون — خصوصًا في بعض الأوساط الجنوبية — أن ثورة 26 سبتمبر «لا تعنينا» بالقدر نفسه لأن تاريخهم القومي مرتبط بثورات وطنية جنوبية أخرى، أبرزها 14 أكتوبر التي يرتبط بها هُوية الجنوب من منطلق مقاومة الاستعمار البريطاني والاستقلال.

 

هناك من يعد الاحتفال بعلم الوحدة أو رموز معينة «استفزازًا» لمشاعر جنوبيين يربطون الوحدة بصراعات ومسؤوليات أدت إلى سقوط آلاف الضحايا بعد سنوات الوحدة، لذلك يرى هؤلاء أن الاحتفال يجب أن يُجرى بحساسية أو أن يُستثنى الجنوب من مناسبات يشعر أنها لا تمثل تجاربه، وهذا الموقف شائع في نقاشات المجتمع الجنوبي حول مدى ارتباطهم بذكريات الوحدة.

 

وكثيرون في الشمال أيضًا يعبرون عن ضيقهم من أن الانتقال من حكم الإمام قد بدا في بعض التصورات وكأنه عاد بصورة أخرى تحت جماعات مسلحة "ميليشات الحوثي"، ما يجعل الاحتفال بالنسبة لهم تذكيرًا بنكتة تاريخية أو «عبث» إذا لم تتحقق سيادة الدولة وحرية التعبير، وفي الوقت نفسه، احتفالات مماثلة تتعرّض للقمع في مناطق تخضع لسيطرة جماعة الحوثي، حيث رصدت تقارير اعتقالات وحملات أمنية قبيل واثناء الاحتفالات.

 

ملامح وإشارات

 

شهدت مدن ومناطق الجنوب والوسط احتفالات رمزية وبرامج ثقافية، بحسب تقارير محلية وإعلامية، وفي المحافظات الجنوبية عبر ناشطون ومواطنون عن امتناعهم عن المشاركة واعتبروا الاحتفال «غير ذي صلة» أو «مسيّسًا»، ودعا آخرون إلى إحياء ذكرى 14 أكتوبر باعتبارها الأهم جنوبًا.

 

وفي تعليق حول الاحتفالات، علق الصحفي الحضرمي صالح الجعيدي قائلاً: "في كل عام، يتفنن حزب الإصلاح وبقية الأحزاب اليمنية في استفزاز الشارع الجنوبي، عبر تحريضهم ودفعهم للأطفال والمراهقين الطائشين للخروج، اليوم الجمعة، في مسيرات واحتفالات بذكرى ما يسمونه "ثورة 26 سبتمبر" المزعومة".

 

وأضاف: "المفارقة المضحكة، أن حزب الإصلاح يخرج ورعانه في مسيرات داخل المكلا ومدن الجنوب فقط، بينما يعجز عن رفع علم أو تسيير مظاهرة واحدة في مدن الشمال التي ترزح تحت حكم الإمامة الجديدة المتمثلة بجماعة الحوثي الإرهابية، أليس الأجدر بكم أن تثبتوا وجودكم أولاً في مناطقكم التي ابتلعتها مليشيا الحوثي؟! أم أنكم تجدون الجنوب هو الساحة الأسهل للعبث والاستفزاز، بينما الشمال لا تجرؤون فيه حتى على التنفس بحرية؟".

 

حملات مداهمة واعتقالات في الشمال 

 

وسائل إعلام ومصادر محلية وثّقت حالات استنفار أمني وحملات مداهمة واعتقالات بحق ناشطين وصحافيين ومنظّمين للاحتفالات في مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين، حسب تقارير صحفية وإعلامية، هذه الإجراءات قوبلت بإدانة من منظمات حقوقية محلية وناشطين، وتُستخدم كدليل على محدودية حرية التعبير في تلك المناطق.

 

وجهات نظر فئات مختلفة

 

يعتبر ناشطون يوم 26 سبتمبر جزءًا من الذاكرة الوطنية، وحقًا للاحتفاء بالنضال ضد الملكية والإستبداد التاريخي، ويؤكدون أن الاحتفاء به لا يلغي أحداثًا أخرى بل يثري الذاكرة الوطنية المشتركة، فيما يشدد جنوبيون على أن تجارب الجنوب الخاصة (الاستعمار، الكفاح المسلح، الانقسام، ضحايا الوحدة) تجعل من احتفال بالعلم الموحد أو رموز الوحدة أمامية ومؤلمة، ويفضلون الحفاظ على مواعيدهم الوطنية الخاصة مثل 14 أكتوبر.

 

والقلقون من العودة إلى ورطة السلطة الدينية 

 

يعبر قسم من المجتمع الشمالي عن أن الاحتفال بصاحبة ثورة 26 سبتمبر يفقد معنويته إن بقيت مؤسسات الدولة ضعيفة أو تقع تحت سيطرة فصائل تُعيد أشكالًا من التسلط، وهذا الموقف يتغذى على وقائع الاعتقالات والقمع في مناطق خاضعة لسلطة الميليشيات الحوثي.  

 

 البعد الأمني والسياسي

 

قبل الذكرى وفيها، رصدت تقارير استنفارًا أمنيًا في مناطق خاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، كما تحدثت مصادر عن مداهمات واحتجازات لمدنيين وصحفيين ممن حاولوا تنظيم فعاليات أو نشر صور وفعاليات حية للاحتفال. هذا الواقع الأمني يوضح التوتر البنيوي بين حق الاحتفال وقيود ميدانية تُفرض في بعض المناطق.  

 

الانقسام في الاحتفاء بذكرى 26 سبتمبر يعبّر عن طبقات متعددة من الذاكرة الوطنية والهوية، ذاكرة ثورية شمالية، وذاكرة تحريرية جنوبية، وتجارب ألم ومعاناة مرتبطة بالوحدة والصراع، وفي الساحة الراهنة يضاف إلى ذلك عامل القوة الميدانية (من يسيطر في كل منطقة) الذي يحدّد قدرة الناس على التعبير، لذلك فأن أي محاولة لفصل هذه الذكرى عن سياقها السياسي والاجتماعي ستكون ناقصة؛ وفي المقابل، استخدام الاحتفالات كوسيلة استفزاز أو كأداة سياسية يزيد من حدة الانقسام ويبعد عن الوظيفة الرمزية للتذكير بالتاريخ والتعلم منه.