تواصل معنا عبر النموذج أدناه:

هل يأخذ الذكاء الصناعي وظائف البشر؟ من الثورة الصناعية إلى الثورة الذكية… دروس في علاقة الإنسان بالتقنية

تعيش المجتمعات الحديثة اليوم مرحلة تحول تقني عميق بفعل التقدم المتسارع في مجال الذكاء الاصطناعي، وقد أصبح هذا التحول محور نقاش عالمي واسع، تتباين فيه الآراء بين متفائل بقدرات الذكاء الاصطناعي وبين قلق من تأثيره على سوق العمل واستقرار المهن التقليدية.

وتحديدًا تبرز المخاوف المتزايدة من أن يحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في العديد من الوظائف، ويقصي الحاجة إلى الكوادر البشرية في المستقبل، إلا أن استعراض التجربة التاريخية يبين أن هذه المخاوف ليست جديدة، إنما تكررت في كل موجة تكنولوجية منذ الثورة الصناعية.

درس من الماضي.. الآلة لم تقصِ الإنسان، بل أعادت تشكيل دوره

عند انطلاق الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر، رافق دخول الآلات إلى المصانع والمعامل مخاوف واسعة من أن هذه الأدوات الميكانيكية ستحل محل الإنسان وتقضي على فرص العمل، ومع مرور الوقت، تبين أن الآلات لم تكن بديلًا عن الإنسان، بل أصبحت أداة مساعدة له، فقد ساعدت في تخفيف الأعباء الجسدية، وزادت من كفاءة الإنتاج، وأسهمت في خلق وظائف جديدة، وصناعات كاملة لم تكن موجودة من قبل.

لقد أعادت الثورة الصناعية تعريف دور الإنسان، لا بإقصائه، بل بنقله إلى مواقع إشراف وتطوير وتحكم أكثر تخصصًا وإنتاجية.

الذكاء الاصطناعي يعيد المشهد… ولكن بصيغة مختلفة

اليوم، تتكرر المخاوف نفسها مع الذكاء الاصطناعي، الذي يتمتع بقدرات تتجاوز تلك التي قدمتها الآلات التقليدية، إذ يستطيع تحليل البيانات الهائلة، وإتمام المهام بسرعة ودقة، والعمل بشكل متواصل دون كلل أو خطأ بشري، ونتيجة لذلك، يتخوف البعض من أن يتسبب هذا التطور في اندثار بعض الوظائف التقليدية، أو تراجع دور الإنسان في أماكن العمل.

لكن على الرغم من هذه المخاوف، فإن الذكاء الاصطناعي – في صورته الحالية – يفتقر إلى العديد من السمات التي تميز الإنسان، مثل الوعي، والمشاعر، والأخلاق، والقدرة على اتخاذ قرارات في سياقات إنسانية معقدة، هذه العناصر لا يمكن برمجتها أو استنساخها بسهولة، وهي ما يجعل للإنسان دورًا لا غنى عنه، حتى في أكثر البيئات المؤتمتة.

أداة مساعدة لرفع كفاءة الإنسان… لا لإقصائه

الذكاء الاصطناعي لا ينبغي النظر إليه كبديل عن الإنسان، وإنما كأداة يمكن أن تُحدث قفزة نوعية في الأداء والإنتاج، فالمهام التي كانت تتطلب أسبوعًا من العمل اليدوي، يمكن إنجازها اليوم خلال يوم واحد فقط، وبنتائج أدق وأشمل، إذا ما وظف الذكاء الاصطناعي بصورة فعّالة.

وفي هذا السياق، يُتوقع أن يتغير تعريف “الأمية” في عام 2030، ليشمل ليس فقط من لا يجيد القراءة والكتابة، بل أيضًا من لا يستطيع التعامل مع التقنيات الحديثة ومواكبة أدوات العمل الرقمي.

الإنسان… من المنفذ إلى المطور

الواقع يشير إلى أن التكنولوجيا لا تقصي البشر، بل تعيد توزيع أدوارهم، فبينما قد يستغنى عن بعض المهام الروتينية أو المتكررة، تبقى الحاجة قائمة إلى الإنسان كمشرف وموجه ومطور لهذه التقنيات.

ولذلك، فإن التحدي الحقيقي لا يكمن في الذكاء الاصطناعي ذاته، ولكن في مدى استعداد الفرد لتطوير مهاراته، وتعلّم أدوات العصر، وتوسيع معرفته التقنية في مجاله، فالمستقبل سيكون لمن يستطيع التكيف، لا لمن يتمسك بالأنماط القديمة في العمل، فالمعادلة واضحة، من يتعلم ويتكيف يزدهر، ومن يتجاهل التحول الرقمي… يخاطر بأن يستبدل.