تواصل معنا عبر النموذج أدناه:

أي شريعة تجيز لكم إذلال المعلم؟

أي منطق هذا الذي يريد أن يكمم أفواه الجوع، ويقيد الأيادي التي تعبت ثلاثين عامًا في خدمة العلم؟ بأي وجه يُقال للمعلم: ممنوع عليك أن تكدّ بعد دوامك، ممنوع أن تُعين نفسك وأسرتك، ممنوع أن تحفظ كرامتك بعمل شريف في مدارس خاصة؟ بالله عليكم، هل في قوانين هذا البلد بندٌ واحد يُجرّم المعلم إذا عمل بعد دوامه؟ أم أن من أصدر هذا القرار لا يعرف معنى الجوع، ولا ذلّ الحاجة، ولا قسوة أن تعود إلى بيتك وجيوبك فارغة.

نحن هنا لا نتحدث عن معلم طمّاع أو متسول، بل عن رجلٍ أرهقه الفقر، وصبر على شظف العيش، ولم يمد يده لأحد، لكنه حين بحث عن فرصة تحفظ ماء وجهه، وجد من يقطع عليه الطريق، ويحرمه حتى من هذا الأمل البسيط. وإن لم يُترك له التعليم، فأين سيذهب؟ إلى الميناء حمالًا؟ إلى العمارات عامل بناء؟ إلى بوابات الناس حارسًا؟ كلها أعمال شريفة، لكنها لا تليق بمن أفنى عمره وهو يصنع العقول ويبني الأوطان!

في زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، جاءه رجل يشكو أن عامله (أي الوالي عليه) ضربه ظلمًا، وكان الرجل هذا رجل علم وقرآن فكتب عمر إلى عامله يأمره أن يأتي ومعه المشتكي، فلما حضر، أمر عمر الرجل المظلوم أن يقتص لنفسه، فأبى الرجل أن يقتص وقال: عفوت لوجه الله. فقال عمر كلمته الشهيرة: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟" هذه القصة ليست عن معلم بالمعنى الضيق، لكنها عن رجل صاحب علم ودين، ظُلم من صاحب سلطة، فرفع ظلمه إلى من يعدل، وهذا هو جوهر ما يحصل اليوم: المعلم يُظلم لا بسوط ولا بعصا، بل بتضييق رزقه وسلب كرامته.

الأحرار من الصحفيين والإعلاميين والناشطين، يا من تأنف أرواحكم من الذل، قفوا اليوم وقفة رجال مع هذا المعلم المظلوم، هذا المعلم المحروم، اليتيم بين أبناء وطنه، الذي طحنته الحاجة وأوجعه الجحود.

 لا تتركوه وحيدًا في معركته مع القهر، لا تسكتوا والظلم ينهش قوته وكرامته تضامنوا... قفوا معه فهو مغبون ومخذول بين أهله.