تواصل معنا عبر النموذج أدناه:

الريال اليمني يحتضر.. والانفجار المعيشي يقترب!

يعيش الريال اليمني واحدة من أسوأ لحظات الانهيار في تاريخه، وسط صمت رسمي وعجز اقتصادي خانق، ففي محافظات حضرموت وبقية المناطق المحررة، تهاوت قيمة العملة المحلية إلى مستويات قياسية، حيث بلغ سعر الدولار اليوم 2820 ريالًا للبيع، فيما تجاوز الريال السعودي حاجز 740 ريالًا للبيع، لتسجل الأسواق انهيارًا جديدًا يُضاف إلى سجل طويل من التدهور المتواصل منذ سنوات.

 

هذا الانهيار المتسارع ليس مجرد رقم على شاشات الصرافين، بل هو زلزال يضرب حياة المواطنين يوميًا، ويؤدي إلى موجات متلاحقة من الغلاء وارتفاع أسعار الغذاء والدواء والخدمات، كما أن الناس في الشوارع والأسواق لم يعودوا يتحدثون عن الراتب أو الدخل، بل عن كيف يمكن النجاة من موجة الفقر القادمة.

 

تعود جذور هذا الانهيار إلى سلسلة من العوامل المركّبة، أبرزها الانقسام العميق في المؤسسات النقدية بين صنعاء وعدن، والذي أدّى إلى فوضى في إدارة السياسة النقدية، وتسبب بطباعة أوراق نقدية جديدة دون غطاء من العملة الصعبة، هذه السياسة ضاعفت من المعروض النقدي بلا قيمة حقيقية، ما عجّل بانهيار الثقة في الريال.

 

إلى جانب ذلك، تلعب الفوضى السياسية وانعدام الاستقرار دورًا رئيسيًا في تعقيد المشهد الاقتصادي، فالمناطق المحررة تعاني من ضعف سيطرة الدولة وتعدد مراكز القرار، الأمر الذي أضعف قدرة الحكومة على فرض رقابة حقيقية على السوق المالية والمصرفية، وفتح المجال أمام المضاربين والمتلاعبين بالعملة الأجنبية.

 

ويعمّق من جراح الريال، توقف تصدير النفط والغاز في فترات متعددة، وهو ما حرم الاقتصاد اليمني من مصدره الرئيسي للعملات الأجنبية، بينما استمرت البلاد في الاعتماد شبه الكامل على الاستيراد لتأمين المواد الأساسية، هذا العجز الدائم في الميزان التجاري زاد الضغط على العملة المحلية، ودفعها نحو مستويات غير مسبوقة من الانهيار.

 

ومن داخل مؤسسات الدولة نفسها، كان للفساد الإداري والمالي دور لا يُستهان به في إضعاف ثقة الشارع، حيث تُهدر الإيرادات، وتُدار الموارد بعيدًا عن أي رؤية اقتصادية متماسكة، ما ساهم في تسارع وتيرة الانهيار وتفاقم الأزمة الاجتماعية.

 

وسط هذه العتمة، لا تزال هناك بارقة أمل وإن كانت بعيدة، تتمثل في حزمة إجراءات عاجلة، تبدأ بتوحيد مؤسسات البنك المركزي تحت إدارة موحّدة وفعّالة، قادرة على ضبط السياسة النقدية وكبح جماح المضاربات، كما أن وقف طباعة العملة، واستئناف تصدير النفط والغاز، وتوجيه العائدات نحو دعم استقرار السوق، تعد خطوات لا غنى عنها في أي خطة للإنقاذ.

 

إلى جانب ذلك، فإن تعزيز الشفافية ومحاربة الفساد، وتفعيل الرقابة على شركات الصرافة، يمكن أن يعيد جزءًا من الثقة بالعملة الوطنية، وفي المدى المتوسط، تبقى الحاجة ماسّة لتشجيع الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الخارج، كجزء من استراتيجية استدامة حقيقية.

 

ما لم تُتخذ هذه الخطوات بجدية ومسؤولية، فإن الريال اليمني سيواصل سقوطه، ومعه ستغرق معيشة الناس أكثر في قاع لا قرار له، واليوم لم يعد السؤال: كم بلغ الدولار؟ بل أصبح: كم بقي للانفجار؟