قائد المعركة الاقتصادية

في خضم سنوات الحرب التي أنهكت اليمنيين، لم يعد نزيف الدم وحده ما يوجع الناس، بل بات نزيف العملة ووجع البطون الخاوية أخطر معركة يومية يعيشها الملايين.
فلا ممثل لهذا الشعب إلا من يقود معركته الاقتصادية. واليوم، يتصدر المشهد نموذج إصلاحي مختلف يقوده رئيس الوزراء سالم صالح بن بريك، الذي قدّم خلال فترة وجيزة إصلاحات اقتصادية مهمة استندت على قاعدة شعبية وجماهيرية واسعة، جميع ذلك الحراك في تقديري يجسد عودة روح الدولة واستعادة هيبتها وإنعاش اقتصادها الوطني. فلا قوة لدولة إلا بقوة اقتصادها ومواردها.
منذ اندلاع الحرب، ظلّت الحكومات المتعاقبة موضع اتهام بالفشل في إدارة الملف الاقتصادي. مليارات الودائع والمساعدات والمنح الدولية ذهبت هباءً، فيما واصل الريال اليمني انهياره من 350 ريالًا مقابل الدولار في بداية الحرب إلى ما يقارب 2,800 ريال العام الماضي.
أمام هذا الإرث الكارثي، استلم بن بريك حكومة شبه مفلسة، بلا صادرات نفطية ولا منح مالية. ولكنه جاء بارادة إصلاحية تستند إلى الثقة الشعبية وسمعة نظيفة اليد.
وخلال ثلاثة أشهر فقط، استطاع أن يوقف الانهيار، ويعيد سعر صرف الدولار إلى ما دون 1600 ريال وأطلق سلسلة إصلاحات. من ضبط أسعار الغذاء والدواء، والوقود والغاز مرورا بتخفيف الأعباء عن طلاب الجامعات، وصولا إلى تفعيل الاستثمار وبناء الثقة.
تلك الخطوات لم تكن عفوية؛ بل ارتكزت على قرارات حاسمة من قيادة البنك المركزي الشركاء الفاعلين في هذه المعركة، تبعتها توجيهات صارمة للرقابة على الأسواق، وضبط الأسعار ومتابعة الالتزام بخفضها مع مشاركة ورقابة مجتمعية فاعلة.
تجربة بن بريك تكشف بوضوح أن معركة الاقتصاد لا تُختزل في مواجهة المضاربة أو ضبط الأسواق. المعركة الأعمق هي مع الفساد نفسه؛ ذلك المرض الذي نخر جسد الدولة وأفشل كل مواردها.
لقد فهم الرجل أن الإصلاح الاقتصادي يبدأ من قرار سياسي شجاع، وإرادة شخصية لا تساوم. بهذا الفهم، استطاع أن يمنح اليمنيين فرصة لاستعادة بعض الأمل في دولة ممكنة، دولة لا تقوم على الوهم ولا على شراء الولاءات، بل على شرف الخدمة العامة.
الناس اليوم لا يريدون إلا شيئا واحدا: دولة تحمي معيشتهم وتنميتهم. ومن هنا يصبح من يقود معركة الاقتصاد هو القائد المفوّض والرمز الأكثر شرعية. فالإصلاح الاقتصادي ليس خيارا ثانويا، بل معركة الكرامة الأخيرة لهذا الشعب.
وماحصل ليس سوى بداية مسار أطول، يحتاج إلى حماية سياسية ودعم شعبي ليستمر.