تواصل معنا عبر النموذج أدناه:

حين تصبح الأرض ساحة للنهب والسماء صامتة(2-7)

حضرموت والجنوب العربي كانا يومًا مركزين للتجارة والثقافة، حيث كانت قوافل البضائع تجوب البحار والصحارى، وكان العالم ينظر إلى هذه الأرض بإعجاب واحترام. اليوم، بسبب هذه النزعات الجشعة، أصبحنا عالة على المساعدات الدولية، نستجدي الحلول من الخارج بدلاً من الاعتماد على مواردنا. لو أن أجدادنا الذين بنوا موانئ الشحر والمكلا رأوا ما يحدث اليوم، لبكوا بحرقة على ما آل إليه الحال.

 

هل سمعتم عن القيادي الذي يتحدث عن "مشروع تنموي ضخم" في حضرموت ثم يختفي مع الملايين التي كانت مخصصة له؟ هؤلاء ليسوا مجرد لصوص عاديين، بل فنانون في الخداع، يجعلون حتى السرقة تبدو كأنها خدمة عامة!

 

 

إن هذه القيادات التي تتصارع على الفُتات بينما تُهمل بناء الدولة، ليست سوى رموز للفشل الذي يسيطر على كل جوانب الحياة. وحتى إذا جاءت الفرص، فإنها تضيع في دهاليز المصالح الشخصية. حضرموت ليست فقيرة، لكنها تُسرق يوميًا أمام أعيننا، ولا أحد يتحرك لأن الجميع منشغلون بالصراعات والمصالح الشخصية الضيقة.

 

الأنانية هنا ليست مجرد نزعة بشرية طبيعية، بل هي فلسفة حياة. تجد القيادة تنظر إلى الأرض كأنها مشروع استثماري خاص بها، تتصرف فيها كما تشاء، تحولها إلى مزرعة خاصة، والناس مجرد أدوات تُستخدم ثم تُرمى. هذه القيادات لا ترى في المواطنين سوى وسيلة لضمان بقائها، وأحيانًا تُبدي تعاطفها المزيف لتطمئن القبائل والوجهاء والعلماء الذين يدعمونهم، وكأنهم يقولون: "نحن نسرق، لكننا نحافظ على النظام!".

 

الأنكى أن هذه الأنانية تُلبس لباس الوطنية، فكل مشروع يُفشل أو مورد يُنهب، يُبرَّر بأنه "لصالح الوطن". هذا الوطن الذي يُستنزف يومًا بعد يوم، ولم يعد يملك من مقدراته شيئًا سوى شعارات رنانة تنطلق من أفواه من يمارسون "الوطنية" كشكل من أشكال التجارة. وإذا جئت لتسأل عن المشاريع التي وعدوا بها، قيل لك: "العوائق كبيرة"، وكأن العوائق ليست من صنع أيديهم!

 

هذه النزعات الأنانية لا تكتفي بتدمير الاقتصاد فحسب، بل تُفسد النسيج الاجتماعي. الذين كانوا يُمثلون صوت الحكمة أصبحوا اليوم مجرد أدوات، يُستخدمون لترسيخ النفوذ أو إسكات الأصوات المعارضة. وحتى العلماء الذين كانوا يومًا نورًا يهتدي به الناس، أصبح البعض منهم يبرر الفساد بأحاديث ملتوية عن "القدر" و"القضاء". أي قضاء هذا الذي يجعل حفنة من القيادات تُكدس الثروات بينما يموت الناس من الجوع؟